الثلاثاء 2018-11-27 10:55:50 **المرصد**
السرقة المستدامة.. اكتشاف من نقوش الفاسدين الأوائل !

كتب: مجد عبيسي
كدت أقسم أن مجالسة صفحات الأخبار هي سبب صلعي، من كثرة ما هرشت رأسي في الأيام السابقة على أمور ترفع الضغط الشرياني لحد غليان جلدة الرأس! ولكن.. ما حدث أمس كان غريباً جداً جعلني أتوقف عن الهرش وأقف في زاوية أخرى مظلمة.. ولكن جسدت لي حقيقة عميقة..
فبينا كنت أواسي نفسي أمس خلف صفحات التواصل، وأطرح عليها –كالعادة- أسئلة إيجابية غبية قابلة "للوأد" لمجتمع بات فرده يفاخر بالسلب وإن بادرته بإيجابية اسودّ وجهه وهو كظيم، وإذا بمنسلّ إلى مكتبي.. جلس ولم يستأذن..
جلس المنسل من فوره وازدرد فنجاناً من القهوة العربية بهيل زيادة!! شردت مستغرباً: ".. زائر.. وقهوة عربية.. بعد منتصف الليل؟!.. لماذا اختار العربية؟"
ظننت أني أتوهم بعد أن كانت عيوني قد "زغللت" من كثرة الحملقة في شاشة الحاسب داخل المكتب المظلم..
نظرت بالمنسل ملياً لدقيقة لأدرك حقيقة وجوده من عدمها، فإذا به يصفعني صفعةً الموقظ من حلم المدينة الفاضلة الذي يراودني كل ليلة، فانتفض غبار أفكاري الأثرية عن أم رأسي ليعج بها المكان، ونفضها عن حذاء بنات أفكاره ثم استعد وقال:
- ما بالك كل يوم تحرق أعصابك بقراءة حوادث اختلاس أو تشهير بداعي الرشوة، أو فواقد نتيجة قطاعات صناعية قديمة ما زالت خاسرة منذ عصر نزول الهكسوس؟! أو وعود لم تنفذ بداعي المعوقات.. والحقيقة السرقات، والمصالح التي تسن قوانين لأجلها، واللامصالح التي تهمش من قوائم الدراسة الوطنية.. والجروح العميقة النازفة التي تهمل على مقاهي الانتظار ريثما تلتئم خدوش بعض المناطق بحجة أنها تشوه المنظر العام!
- مهلاً.. مهلاً أثقلت علي، من أنت؟! وكيف تعرف ما أقرأ كل يوم؟!
ضحك مني ضحكاً مجلجلاً، وقال:
- بل من أنت؟!.. أنا سليل القطب الأوعى على ظهر الخبيثة.
- وما الذي حدا بك إلى مكتبي في هذه الساعة؟! يا سليل؟!
- شفقتي عليك..
- مم؟
- من نفسك.
- أ لا أعطيك نظرية تنجيك من تخبطك باللا أمل، وتنقذكم أجمعين من حالة الهلوسة والهتاف التي تعيشونها بلا سميع؟
- وهل تعلم ما نحن بحاجته يا سليل؟ من أنت حتى توعظ علينا؟!... هل تعلم قبلاً من نحن وكم عمر حضارتنا قبل ان تتنمر علينا بالوعظ ؟؟.. نحن أول من.....
- صمتاً..... أعلم من أنتم جيداً.. أنتم من تدعون الفضائل وتطبقون الرذائل، أنتم من تتشدقون بالمبادئ وتمارسون النهايات الحزينة، أنتم من تدرسون شيئاً وتطبقون شيئاً آخر.
- تباً... معنى انك تعلم كل هذا... أننا نلعب على المكشوف أمام الجميع!
- ههه صحيح، أنتم تلعبون....
- طيب، خلصنا من نشر الغسيل، وتكرم علي بنظريتك العصماء المنقذة..
- أنتم تمارسون الرشوة رغم أنكم تحاربونها على المنابر الإعلامية والقانونية وغيرها..صحيح؟ أنتم تحاسبون على فعل السرقة على أنه جرم، ولكنكم تمارسوه مع تغيير بالاسم لا التوصيف.. لماذا هذا النفاق والتستر على حقيقتكم؟! أمركم غريب أيها البشر...
- أو لست من البشر؟!!!
- صمتاً... اسمع... الحل الناجع لكم عندي.... قوننوا الرشوة وطبقوا نظرية السرقة المستدامة.. فتفرحوا.
- ماذا؟!! وهل تنهض دول بقوننة الرشوة والسرقة؟!
- صمتاً.. جئتك بفكر إن وزنته بذهب قارون ماوفيته ثمنه.. هذا الفكر ينهض بكم جميعاً أيها الفاسدون
- تأدب...
- اخرس ولنكمل.. أنا لم أنصح بشرياً في حياتي، ولكني ارتأيت لكم السرقة المستدامة وجاءاً لتستمروا بالإبداع أيها الفاسدون.
- ما السرقة المستدامة أيها السليل المنسل؟!
- اسمع واحفظ، النظرية على مرحلتين.. أولاً قوننة الرشوة، وهي بجعل الرشوة حق طبيعي مشرع ضمن القانون تحت بند عربون شكر من المواطن للموظف بطيب خاطر، وبنسب مفتوحة يحددها حسن استقبال الموظف وسعة المواطن نفسه، وهنا أنقذكم من متاهة رفع الرواتب التي صرعتم آذاني وأنتم تطالبون بها كل خمسة دقائق.
- وثانياً؟!!!
- ثانياً أيها الأحمق، أزف إليك نظرية السرقة المستدامة، وهي إن طبقتموها على أي قطاع خاسر نجا، وإن نفختموها وقوننتموها في أي جسد صناعي ميت.. عاش من جديد.
- ما هذا العُجاب الذي به تتفوه؟!
- هذا ما إن رميتم قليلاً أقنعة نزاهتكم الميتة وطبقتموه على عينك يا تاجر.. نجحتم، فالسرقة المستدامة ياولد هي نظرية اقتصادية قديمة مخفية في نقوش الفاسدين الأوائل، تقضي بأن يتم قوننة نسبة السرقة قبل أن توزع أرباح قطاع الإنتاج، فإن كانت الأطماع تكفيها نسبة 20% من الأرباح، يتم التوجيه برفع الإنتاج 30%. عندها يأخذ السارق نسبته التي يريد ويرفع تقريراً عن زيادة في الأرباح والإنتاج بنسبة 10% عما هو مخطط. وبالتالي يكسب بياض الوجه وملئ الجيب ويدفع بعجلة القطاع ليربح ويدفع الناتج الوطني نحو الأفضل... وكلما زادت أطماعه زاد الإنتاج والأرباح.
- عليك من الله ما تستحق.. لو كان إبليس هنا لما فكر بهكذا تفكير..
هنا صفعني صفعة أخرى أفاقتني وآثار لوحة المفاتيح على خدي، صفعة شبيه بصفعتي الأولى "صفعة المدينة الفاضلة" وصوت المقيت يتردد مع صداعي:
- أنا لم أعد أفكر ياولد منذ سنوات، بت أجلس فقط وأقونن لكم ما تفكرون.. وهل تظن من لديه أمثالكم بات يتعب نفسه بالتفكير؟!! كم أنت غر يا ولد.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024