الثلاثاء 2021-04-27 11:30:55 **المرصد**
برغي سوري...قصة واقعية حدثت معي قبل تسعة سنوات في بداية إقامتي في الصين.

بقلم فيصل عطري
يا أخي نحنا شعب مظلوم والله لو مناخد فرصتنا لناكل الدني ، مواهبنا ونشاطنا وقدراتنا!!.
نحنا أفضل شعب بالعالم!!!. .
طافت بذاكرتي هذه الكلمات التي قد تطفئ ظماً البعض للمديح أو ترضي غروره رغم ما بها من عنصرية!! ، تذكرت هذا وأنا أغادر دكان هذا العجوز النشيط بعد أيام على لقائي أحد المعارف السوريين المقيمين هنا في الصين الذي أدمى قلبي بشكواه من قلة العمل ووضعه المالي الصعب ، تذكرت كيف كسرت أولى القواعد التي سننتها لنفسي منذ اتخذت قراري بالقدوم للصين وهي الابتعاد ما أمكن عن كل ما هو عربي ورأيت أن من واجبي مساعدة ابن بلدي بتكليفه بعملاً ولو بسيطاً ، طلبت من هذا الشخص أن يشتري لي كمية من البراغي ذات شكل خاص وذكرت له أنني قد وضعت ميزانية لا تتعدى 800 يوان لكل 1000برغي وبناء عليه يجب التصرف وأنني على استعداد لشراء 5000برغي رغم أنني حاجتي هي 1000 فقط لعلمي أن مثل هذا النوع من البراغي يتطلب معالجة خاصة بمصنع. أخذ صاحبنا العينة التي أوصيته بالحفاظ عليها كوني لا أملك سواها وقطعة أخرى ليختفي بعدها خمسة ايام ويتملص من الإجابة على هاتفه وحين اتصلت به من رقم آخر أجاب بنزق:
يا أخي شو هالشغلة اللي شغلتني إياها؟
شو شايفني فاضي لشغلة ما راح يطعللي منها 1000 يوان؟!!!
عمي أنا بدي شغلة دسمة ، شغل متل العالم مو فتات!!!.
صدمتني لهجته المختلفة فقلت له بصوت حاولت أن يبدو طبيعاً:
خيراً انشاء الله ، أرجو أن تسمح لي بإرسال من يأخذ العينة.
أجاب بلا مبالاة:
أي والله البرغي ضاع ما بعرف وين حطيته!!! ، اي بس في منه معبى بالسوق ، بعدين شو بدك بالحكي انت استعمل برغي عادي ليش هالعلاك ليش تعذب حالك وتعذب الناس وتدفع مصاري زيادة؟!! ..
لك روووووح كلو عند العرب صابـ...!!
أغلقت السماعة وأنا أجاهد أن أمنع نفسي من الانفجار وأخذت العينة وذهبت بنفسي للسوق المخصص لبيع البراغي و بدأت رحلة البحث. كنت أتجنب المحلات الكبيرة لأني أعلم أن الكمية التي أطلبها صغيرة لا تثير اهتمام أي مصنع ولكن كل الدلائل كانت تشير لمحل ضخم ، توجهت للمحل لأجد عجوزاً غارقاً بأوراقه عرضت عليه البرغي واتصلت بإحداهن كي تترجم فقال بعد أن نظر بحيرة واستدعى أحد عماله ثم اتصل هاتفياً وتحدث لأكثر من 10 دقائق واتصل بأخر وتحدث وتناقشوا:
لا يوجد لدي من نفس هذا البرغي ولكن يمكنني تصنيعه ولكن هذا سيتطلب خمسة ايام عمل  وحد أدنى من الطلبية لا يقل عن 10000براغي وسيكون سعر كل 1000 برغي 200يوان!!!
حاولت تصنع اللامبالاة فالرجل يعرض علي 10000 برغي بأقل من السعر الذي افترضته بكثير.
طلبت من المترجمة أن تسأله: هل يمكن أن نخفض الكمية وندفع التكاليف "تعديل القالب وتركيبه وضبط خط الإنتاج" وارفع السعر كما يحلو لك. أجاب ببساطة: نعم ادفعوا لي 1500 يوان "كلف رئيسية" وأنا مستعد أن أنتج لكم برغي واحد وبنفس السعر.
أجبته حسناً:
هذه دفعة 1000 يوان أرجو أن تنتج لي 1500 برغي ، واشكرك جزيل الشكر لاهتمامك بطلبي الصغير.
أجاب بجدية:
لا تشكرني هذا عملي وواجبي الاهتمام بطلبك سواء كان صغيراً أم كبيراً ، على اي حال طلبيتك يمكنك استلامها بعد خمسة أيام عمل وفي حال انتهت قبل هذا سأتصل بك أرجو أن تدون هنا اسمك وهاتفك وهذا اسمي وهاتفي وهذا إيصال بالمبلغ الذي دفعته والمبلغ المطلوب تقوم بتسديده عند استلام طلبك وفي حال أردت إلغاء الطلب يمكنك هذا حتى اليوم مساء بعد هذا سيتعذر استعادة الرعبون وفي حال كان لديك أي ملاحظة على الإنتاج اتصل بي.
المفاجأة أن الرجل الذي ترك عمله وناقشني بعملية لن يجني منها أكثر من 300 يوان كان هو نفسه صاحب المصنع أثناء زيارته بشكل مباغت لأحد محلاته للاطلاع على سير العمل بها ، علماً أن مصنعاً كمصعنه الذي عرض صوره بالمحل لا يقل ثمنه مع أبسط تجهيزاته عن ثلاثة ملايين يوان.!!!.
لم أستطع أن أمنع نفسي من مقارنه هذا العجوز الثري الذي يقوم بواجبه بابن بلدي الطفران الذي يرفس النعمة لأنه يبحث عن شغلة دسمة. .
.
وبيسألوك ليش هيك الله عم يعمل فينا؟!!!

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024