حاوره- أيمن قحف
التجربة الكبيرة للمهندس إبراهيم عباس المدير العام للمؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء هي التي قادت حوارنا معه إلى صراحة المسؤول الواقعي، يفصل واقع مؤسسته، يتحدث عن مواجعها، وعن الأمل الكبير في صياغة قطاع عام فاعل ومؤثر.
يعرف المهندس عباس ما لمؤسسته من دور، وكذلك للعاملين فيها، ويدرك حجم منافسة الخاص، وهذا ما سيقوده للمحافظة على الكوادر الخبيرة فيها، وأن المؤسسة ( تمثل اليوم الشريك الرئيسي لكل ما يحدث في سورية من انفتاح اقتصادي ونشوء معامل خاصة جديدة)، يؤمن بالمؤسسة الفاعلة، التي تتجاوز دور ساعي البريد.
* بما أن الحكومة الآن بصدد الإعداد للخطة الخمسية الحادية عشرة، فما هي أبرز الملامح الواردة ضمن الخطة بما يخص المؤسسة العامة للإسمنت؟
** هناك العديد من العناوين العريضة الواردة في الخطة، بما يتعلق بصناعة الإسمنت، أولها زيادة الإنتاج في الخطوط القائمة حالياً، من خلال عدة محاور أهمها التطوير من خلال الاستثمارات المرصودة في الخطة القادمة، ولكافة الشركات بقيمة 60 مليون دولار، وعلى الرغم من أن الرقم ليس بالكبير، إلا أنه مخصص لعمليات التجديد والاستبدال، والمحافظة على المنتج من حيث الكم والنوع، وتطويره بحدود محددة عبر التمويل الذاتي، في حين يتمركز المحور الثاني على التطوير من خلال الشراكات مع القطاع الخاص، إلا أن ذلك يحتاج إلى استثمار عالي جداً تنفيذاًً لمبدأ التشاركية وبالتالي زيادة الإنتاج من جهة ومن جهة أخرى خفض تكاليف المنتج، لأنه من الملاحظ أن أسعار الطاقة، وحوامل الطاقة آخذة بالارتفاع عاماً بعد عام، إذ لابد من البقاء في ميدان منافسة السوق، خاصة بوجود شركات خاصة حديثة، فالتكنولوجيا المتبعة لدى القطاع الخاص توفر الطاقة وحوامل الطاقة، بعكس المعامل القائمة حالياً، فعلى سبيل المثال ضمن المؤسسة العامة للإسمنت لدينا خط جديد واحد في محافظة حماه، وبمقارنة بسيطة من حيث تكاليف الإنتاج، لاسيما من ناحية الفيول والكهرباء بين الخط الجديد والخط السابق الذي ما يزال يعمل في حماه، نجد أن إنتاج الطن الواحد في الخط الجديد يحتاج إلى 80 كيلو غرام من الفيول بينما يستهلك نحو 110 كيلو غرام في الخط القديم.
أما بالنسبة للكهرباء نلاحظ أن إنتاج الطن الواحد في الخط القديم يحتاج إلى نحو 150 كيلو واط ساعي، في حين يستهلك إنتاجه في الخط الجديد بين 100-105 كيلو واط ساعي فقط، فإذا علمنا أن نسبة 40% من كلفة إنتاج الإسمنت هي للطاقة أي للفيول والكهرباء، وبالتالي هناك وفر يعادل 25-30% تقريباً من الطاقة في الخط الجديد وهي نسبة كبيرة جداً، إذا ما علمنا أن خطة الدولة خلال الخطة الخمسية القادمة تقوم على التحرير التدريجي لأسعار الطاقة، لذلك ينبغي لتحقيق ذلك الوفر أن تكون هناك استثمارات كبيرة تقوم على أساس الشراكات بحيث يتم تسديد أسعار وتكاليف الطاقة من خلال زيادة الإنتاج وليس من خلال القروض، وتجربتنا في طرطوس أثبتت نجاحها حتى الآن، فتطوير الاستثمارات عادة يكون على نفقة الشركات المطورة، فالحد الأعلى الذي وصلنا إليه في وسطي إنتاج خمس سنوات بلغ مليون و450 ألف طن تقوم الشركة المطورة بأخذه ودفع تكلفته إضافة لتسديد رسم إنفاق استهلاكي للدولة وبالتالي فنحن نطور دون أي مخاطرة والتكاليف مهما بلغت تقوم الشركة المطورة بدفعها وفي حال لم يكن هناك أي زيادة في الإنتاج لا يحصل المطور على أي مردود، وتعد هذه التجربة هي البداية، فالمؤسسة تسعى الآن لتطبيق تلك التجربة في معمل الرستن الذي مازال يعمل على الطريقة الرطبة، حيث تصل تكلفة طاقة إنتاج الطن الواحد من الفيول نحو 180 كيلو غرام، وحتى إذا أردنا تحويل هذا المعمل إلى الطريقة الجافة، فستبقى تكلفة الإنتاج مرتفعة أيضاً، لذلك تتضح رؤية المؤسسة من خلال طرح موقع المعمل للاستثمار كموقع، بحيث يقوم المستثمر بإنشاء خط جديد كلياً، وعلى نفقته الخاصة 100% فنحن اليوم أعددنا دفتر الشروط الخاصة بالإعلان عن هذا الاستثمار الذي يحتاج على موافقة مسبقة من رئاسة الحكومة وسيسري العرض على الجهة التي ستعطي أكبر عائد سنوي وإجمالي خلال فترة التطوير المحددة بحيث تبقى الملكية للدولة بعيداً عن الخصخصة.
* من المعروف أنه يحق لأي مستثمر،أن ينشئ معمل للإسمنت، بالمواصفات التي يشاء، فما هي الميزة التي سيحصل عليها المستثمر من التشاركية التي تتحدث عنها..؟
** الميزة التي سيحصل عليها المستثمر هي الموقع، فالمواقع التي تأسست عليها معظم معامل الإسمنت تشكل ميزة جذب للمستثمرين، فمعمل الرستن يقع في موقع متوسط من سورية حيث الطرقات اللازمة للنقل متوفرة بالإضافة إلى قرب محطات السكك الحديدية نسبياً، إلى جانب توفر المياه، والأيدي العاملة، كذلك الورش الصناعية، وبشكل عام يمكن أن نقول أن البنية التحتية متوفرة بكل مقوماتها، بينما إذا كان الموقع في الصحراء فمن المحتم أن المستثمر لن ينجذب للشراكة من جهة، ومن جهة أخرى ستكون للمستثمر حساباته المستقبلية بكل ما يتعلق بإنشاء وتأسيس البنى التحتية اللازمة لمشروعه فأيهما أفضل..؟!
* إذا أردنا التحدث في الأفق الذي تتحرك فيه المؤسسة العامة للإسمنت من ناحية إذا أغلق هذا المعمل لأسباب اقتصادية وبيئية، أليس من الأفضل أن يستثمر ذلك الموقع بمشروع آخر ذو جدوى اقتصادية وبيئية، بحيث يكون أعلى دخلاً للدولة؟
** في الواقع أن موضوع البيئة أخذ حيزاً هاماً في الخطة الخمسية الحادية عشرة، بما يخص صناعة الإسمنت، ومن ناحية أخرى فإن هذا الموقع الذي تعود ملكيته لوزارة الصناعة، وبرأيي أنه يحافظ على صناعة منافسة، وبالتالي فإن عائديته للدولة، حيث أنه لا يمكن الاستمرار بالمنافسة بالتكاليف القديمة، مع وجود معامل خاصة بتكاليف إنتاج أقل بكثير، وهي نقطة هامة جداً، وثانياً تعتبر صناعة الإسمنت من الصناعات المربحة جداً، خاصة أن عوامل وظروف قيامها بهذا الموقع متوفرة على أكمل وجه، من جهة المواد الأولية وبكثافة عالية، لذلك يمكن القول إن هذا النوع من الاستثمار هو الأفضل من بين مختلف الاستثمارات، كون اليد العاملة في ذلك الموقع هي عمالة إسمنت مدربة ومؤهلة، وبالتالي لابد من الحفاظ عليها، أي نحن نحافظ على صناعة هامة، وإذا أردنا أن نتحدث عن استثمارات أخرى بعيدة عن صناعة الإسمنت، أعتقد أن الموقع لن يكون مفيداً أو صالحاً لأي استثمار سياحي نظراً لظروف مناخية معينة، لذلك فهو الأنسب لصناعة الإسمنت.
أما بالنسبة لمسألة البيئة فالمعامل الحديثة نجدها في أجمل غابات العالم، وهي معامل صديقة للبيئة، فالبيئة هي إحدى المحاور الهامة في الخطة المقبلة، وإذا أردنا التحدث عن معمل إسمنت عدرا يمكن القول أنه من المسائل المزمنة بيئياً منذ زمن طويل، إلا أنه وضع في حيز الاهتمام منذ ثلاثة أشهر ماضية، فقد تم إعطاء أمر المباشرة لشركة تركية بعد تصديق العقد الموقع معها من قبل رئاسة مجلس الوزراء لتركيب الفلاتر القماشية والمبردات المشتراة سابقاً لخطي عدرا الأول والثاني، وتم فتح الاعتماد اللازم، كما تم توقيع العقد اللازم لتركيب معدات خط عدرا الثالث، ومن ضمنها الفلتر القماشي الخاص به. فالآن أستطيع القول أن العقدين دخلا حيز التنفيذ وإنهاء الأزمة مرهون بفترة قصيرة من الوقت تمتد لخمسة أشهر قادمة.
وبالنسبة للمواقع الأخرى ففي معمل اسمنت حماه يتميز خط الإنتاج الجديد بخلوه من الغبار وبالنسبة للخط الثاني الذي يعاني من وجود الغبار فقد تم إعطاء أمر المباشرة لتركيب الفلاتر القماشية الجديدة ومدة التنفيذ /75/ يوم كحد أقصى، أي أنها ستوضع في العمل في بداية شهر كانون الثاني من عام 2011 أو في نهاية كانون الأول من العام الجاري، أما في محافظة حلب فالشركة العربية التي تتمركز في قلب المدينة تقريباً فقد وضعت خطة للعام 2011 وقد وضعتها عند تسلمي إدارة المؤسسة، وهذه الخطة تقضي بوضع كافة المواقع غير المفلترة ضمن الخطة دفعة واحدة، دون أن تؤجل كما كان الحال سابقاً عندما كنا ننجز المشروع خلال عدة سنوات، وبالتالي إذا تم وصول التوريدات الخاصة بتلك المواقع في نهاية عام 2010 ستكون في وضع التركيب النهائي في نهاية 2011 ولكن توجد بعض الفلاتر حالياً إلا أنها لا تعمل بالفعالية المطلوبة.
بينما في محافظة طرطوس يمكن الحديث عن نقطتين وهما الفلاتر القماشية والكهربائية، فالفلاتر القماشية الأربعة تم تركيبها في الشركة ضمن مشاريع خطة عام 2008 وهي تعمل وفق النورمات العالمية بحيث لا تتعدى نسبة الغبار المنبعث في الجو 2.1غ / م3 بينما النسبة المسموحة في النورم السوري (50-150 غ/م3).
أما بالنسبة للفلاتر الكهربائية التي تم تركيبها عام 2003-2004 فهي تعمل بكفاءة عالية جداً إلا أن الفلاتر الكهربائية تتعرض للفصل لمدة عشرة دقائق تقريباً نتيجة حدوث بعض الاهتزازات الكهربائية أو عند ارتفاع نسبة أول وأكسيد الكربون، وخلال عام واحد من وضعها في الاستثمار الحقيقي وجدنا أن زمن التوقف الذي تعرضت له لا يشكل سوى 2.5% من الزمن الإجمالي، علماً أنه إذا لم يتم الفصل فستؤدي زيادة نسبة أول وأكسيد الكربون إلى حدوث انفجار بتلك الفلاتر، إلا أن المقيمين بالقرب من العمل لاحظوا الفرق أثناء الفصل، ونحن مستعدون لأي اختبار من أي لجنة كانت لإثبات عمل تلك المحطات بكفاءة عالية دون غبار أو أية مشاكل أخرى.
* كثر الحديث عن مصير معمل إسمنت طرطوس مابين الإيقاف والاستمرارية في ظل حلم سكان طرطوس من جهة والوعود الحكومية من جهة أخرى، ما هي آخر التطورات المتعلقة بهذا الموضوع من جانب الحكومة؟
** أثناء الاجتماع الذي عقده النائب الاقتصادي منذ سنتين أو ثلاث سنوات أوضح أنه وحسب التطورات التي ستطرأ على شركات الإسمنت الخاصة سيتحدد مصير معمل إسمنت طرطوس، إلا أنني أريد أن ألفت الانتباه إلى مسألة غاية في الأهمية وهي :
إن صناعة الاسمنت هي منبع للموارد الاقتصادية فالقيمة المضافة كبيرة جداً، وهي تحول المواد الخام الزهيدة القيمة إلى ( ملايين الدولارات).
و بإيجاز شديد تذكير بالمنافع التي حققها ويحققها مصنع اسمنت طرطوس :
حقق مصنع اسمنت طرطوس نهضة اجتماعية ومعاشية فهنالك أكثر من ثلاثة آلاف أسرة تضمن دخلاً كريماً من خلال عملها في مصنع الاسمنت الذي ينتج 25% من الاسمنت المنتج لدى شركات القطاع العام.
أنتج مجتمع صناعي وتدريب وتأهيل الكفاءات الفنية السورية ونقل التكنولوجيا.
أدت نشاطات فعاليات مصنع اسمنت طرطوس إلى تشجيع صناعة القطع التبديلية المحلية ( 1000 مليون ليرة سنوياً).
حققت حركة في صناعة النقل والشحن البري والسكك الحديدية السورية لأكثر من 2 مليون طن من الاسمنت والمواد الخام 750 مليون ليرة سورية سنوياً.
تشجيع صناعة البناء والإنشاء في المنطقة الساحلية.
وفي حال قررت الدولة توقيف هذا المصنع عن الإنتاج نقترح تحويله إلى منشأة لطحن وتعبئة الاسمنت من خلال جلب مادة الكلنكر جاهزة من بعض الشركات وطحنها وتعبئتها ضمن المعمل، علماً أنه يوجد لدينا الآن خمس مطاحن للإسمنت وخمسة أخرى للمواد الأولية، وهذه الفكرة يمكن تحقيقها مستقبلاً إذا أردنا أن نلغي موضوع الغبار نهائياً من المداخن العالية، حتى مطاحن المواد الأولية يمكن أن تتحول إلى مطاحن إسمنت فتحول جميع المطاحن في المعمل إلى مطاحن إسمنت مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية لتصل إلى نحو /2/ مليون أو /3/ مليون طن في العام الواحد دون غبار يذكر.
وأكرر بأن هذه الخطوة يمكن تنفيذها مستقبلياً لأن معمل طرطوس كمنشأة اقتصادية كما ذكر أعلاه يستحوذ على نسبة 25% من إنتاج القطاع العام ككل من مادة الإسمنت.
وجود المؤسسة ضروري ولكن ليس بمنظور ساعي البريد
المؤسسة اليوم الشريك الرئيسي لكل ما يحدث في سورية من انفتاح اقتصادي
* ما هو تقييمك لتجربة معمل إسمنت طرطوس وأنت تتحدث عن الشركة وإدارتها بكل محبة..؟
** في الواقع أن نتائج التجربة هي لصالح الشركة 100% لأن الكثير من التجهيزات التي قمنا بشرائها وكنا بصدد تركيبها فقد تضمن العقد مع شركة فرعون تركيب تلك التجهيزات ودفع قيمتها المالية، وهذا ما يحصل فعلاً، إلى جانب الكثير من التجهيزات التي كنا قيد التعاقد بشأن تركيبها فأوقفنا تلك العقود فعلى سبيل المثال عقد التحكم بمجموعات الأفران كذلك دارات التحكم BLC بدلاً من نظام الثاريستور القديم الذي ألغي العمل به في معظم دول العالم، وكذلك ساحة التجانس في المعمل التي تقدر كلفتها من 10-12 مليون دولار والتي كان من المفترض أن تنشأ مع بداية تأسيس المعمل لما لها من دور في استقرار العمل فقد تضمن العقد مع شركة فرعون إنشائها على حسابها الخاص حتى أنها لم تنته بشكل كامل ومن المتوقع أن توضع في الخدمة مع بداية العام القادم لذلك أستطيع القول أن ذلك التطوير يمثل ربحاً كبيراً للشركة، وبتقديري أن القيمة الإجمالية للتطوير بالمعمل ستصل إلى نحو 40 مليون دولار، وستتحملها شركة فرعون لأننا لن نقوم بتسديد أية مبالغ إلا من كميات الإنتاج الزائدة عن حصة الشركة البالغة /1450000/ طن وستقوم شركة فرعون بدفع تكاليف إنتاج الكميات المستلمة من قبلها إلى جانب رسم الإنفاق الاستهلاكي للدولة، ومن ناحية أخرى أقولها بكل أسى أياً كان الشريك في التطوير سواء شركة فرعون أو غيرها فلابد للطرفين أن يتقاسما الخسارة ففي هذه الحالة إذا خسر الشريك فإنه لن يعيد الكرة مرة أخرى ولن تقوم أية شركة أخرى بالتشجيع على التعاقد معنا كمطور فالمسألة برمتها تتعلق بقصر مدة العقد فساحة التجانس تبلغ قيمة إنشائها كاملة من 500- 600 مليون ليرة سورية وتحتاج إلى سنتين ونصف لإنشائها بشكل كامل وفي المقابل فإن مدة العقد كاملاً مع الشركة 4 سنوات ونصف فهل من المعقول أن تقوم شركة فرعون بالاستثمار لمدة سنتين فقط؟ وهل ستكون قادرة على استعادة تلك الأموال الطائلة خلال تلك المدة؟ لذلك أقول وأرجو أن أكون مخطئاً فالخسارة ستحسبها على شركة فرعون لوحدها وهي خسارة ليست سهلة، بل خسارة بأموال ومبالغ ضخمة لذلك ليس لنا أية مصلحة بأن تصل رسالة لأي مستثمر بهذا الحجم فمنذ أن وقع العقد كثرت الأحاديث عن أن المستثمر يأتي ليأكل البلد وجرى الحديث عن خصخصة وما إلى هنالك فهذه الأحاديث جميعها مغلوطة وغير موجودة على أرض الواقع فمدة العقد محددة، والتجهيزات التي قامت بتركيبها شركة فرعون كانت موجودة ضمن العقد والتجهيزات التي لم تركب بعد فهي آتية في الطريق وستركب لاحقاً، ومن جهة أخرى فالشركة كانت ملزمة أن تركب تلك التجهيزات لأنه وضمن الخطة الخمسية القادمة تم رصد نحو 60 مليون دولار لأعمال تطوير مجمل شركات الإسمنت في سورية.
* لماذا لم تنجح تجربة تطوير معمل إسمنت عدرا عندما طرح للاستثمار؟ هل كان هناك شيئاً مختلفاً عن عقد فرعون..؟
** عقد تطوير وإعادة تأهيل معمل إسمنت عدرا رفع للتصديق مع بعض الملاحظات عليه لتوضيح مضمون العقد ولصالح الطرفين، والتي تطلبت مني أن أضع بعض الملاحظات التوضيحية عليه، إلا أننا فوجئنا يوم تصديق العقد وبعد 250 يوماً من توقيعه بانسحاب الشركة المتعاقدة !!
بسبب زيادة المدة عن 180 يوماً وهي المدة المسموح بها بعد توقيع التصديق، وبعد التصديق قمت بمراسلة الشركة، وأعلمتها بأنه تم تصديق العقد فيما إذا كانت ترغب بالاستمرار فأصرت الشركة على الانسحاب، ومن جهة أخرى لو كان الانسحاب غير قانوني فإنه ستتم مصادرة كفالة العقد والبالغة 60 مليون ليرة سورية، وأما الآن فنحن نبحث عن عقد آخر ولكن وفق مبدأ قائم يعمم على كافة الشركات، وليس على شركة واحدة فقط، لأننا باعتبار أن الـ40 مليون دولار هي مجمل قيمة استثمارات الشركة في الخطة، وهي بحاجة لشراكة، لأن الشراكة تعود بالفائدة على الشركة، فبدلاً من أن أربح 100 مليون ليرة، قد تصل الأرباح إلى الضعف أي 200 مليون ليرة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تزيد حوافز عمال الشركة، فعمال أسمنت طرطوس يحصلون على ضعف حوافزهم الأساسية، بالإضافة إلى الحوافز التي تمنحها الشركة المطورة للعاملين وفق العقد القائل بمنح حوافز إضافية للعامل من قبل الشركة، في حال عمل لديها العامل ساعة أو ساعتين، أو مهما كانت المدة الإضافية التي يعمل بها.
* كيف ترسم لنا صورة استجرار الورق داخلياً أو خارجياً، وأثره على التكاليف وانعكاسه على المستهلك، كونه عنصر أساسي من عناصر الإنتاج ولاسيما أنه موضوع شائك بالنسبة لهذه الصناعة؟
** حقيقة أن الورق يشكل ما نسبته 80% من تكاليف إنتاج الأكياس، باستثناء أجور العمال، وتكاليف الطاقة، كالكهرباء مثلاً، لذلك يجب أن يتمتع الورق بمواصفات جيدة، من أجل تخفيف الأثر الناجم عن تلفه، سواءً من ناحية تصنيعه في البداية، ومن ثم تعبئة الإسمنت فيه، فأثناء تصنيع الأكياس قد تتعرض لخسارة بعض الورق وهذا أمر عادي وطبيعي، في حين يجب الانتباه لعدم تلف الأكياس أثناء التعبئة، مما يسبب أولاً خسارة في الأكياس من جهة وخسارة في الإسمنت، والتسبب بتصاعد الغبار من جهة أخرى، وبالتالي لتلافي تلك الأمور، فلابد من أن تكون نوعية الورق ذات جودة عالية، بحيث يكون الكيس قادراً على تحمل كل ما يتعرض له أثناء التعبئة والتحميل ضمن السيارات الناقلة له، فموضوع الورق موضوع حساس قد يحجب ثقة المواطن أو المستهلك عن شراء الإسمنت بحجة سوء نوعية الورق، وبالتالي له تأثيراً كبيراً على عمليات التسويق، وإذا تحدثنا عن تأمين الورق، فالمؤسسة تقوم بتأمينه عن طريق الإعلان، ولكن بشكل رئيسي وبنسبة 92% من الورق تؤمنه المؤسسة من مصنّع الورق في دير الزور (شركة فيمبيكس) على الرغم من جود بعض الشكاوى حول نوعية الورق، إلا أن المؤسسة تقوم بمعالجتها بشكل مباشر وهذا الأمر يحصل باستمرار في أي صناعة كانت، وليست حصراً فيما يخص صناعة الإسمنت، لذلك تحدثت مع الشركة المستثمرة بدير الزور بخصوص الطريقة التي يصنع بها الورق حالياً على أنها طريقة لم تعد مستخدمة في العالم، فهناك طريقة تصنيع جديدة تسمى غلوباك تعتمد على وجود طبقة من الصمغ غير ظاهرة على الورق الشفاف من الداخل فهي تعطي مرونة في أعمال الشد والتحميل، فلاقى طلبنا استجابة لدى الشركة في دير الزور حيث علمنا منذ فترة بأن الشركة بدأت بتركيب الخطوط الجديدة التي ستنتج هذا النوع من الورق، وأن نسبة 20-50% من الآلات أصبحت جاهزة للعمل بالنظام الجديد، وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها مؤخراً فإن الشركة ستبدأ بإنتاج ذلك النوع الجديد من الورق والمطابق للمواصفات العالمية قبل نهاية عام 2011، وفي المقابل لدينا موافقة من رئاسة مجلس الوزراء على تطبيق نظام جديد فيما يتعلق بهذا الخصوص إلا أننا الآن غير قادرين على تطبيق هذا النظام نظراً لعدم توفر العديد من الشروط التي يحتاج لها العمل، فشركة دير الزور تقوم ببذل جهود كبيرة لإنتاج نوعية جيدة من الورق خاصة وأننا قد وقعنا عقداً مع هذه الشركة المتضمن توريد نحو /10/ آلاف طن من ورق الكرافت غراماج 80 المصنّع محلياً لزوم تصنيع أكياس تعبئة الاسمنت.
لذلك نحن حريصون على تأكيد، وإثبات جودة الصناعة الوطنية للورق والاهتمام بها بغية الحصول على أفضل المواصفات العالية الجودة، لاسيما وأن سورية مقبلة على زيادة ملحوظة في إنتاج الإسمنت من قبل معامل القطاع الخاص، التي ستبدأ بالإنتاج مثل شركة لافارج وشركة البادية وهي فرصة لشركة ورق دير الزور بأن تقوم بتطوير صناعة الورق، بما يتناسب مع المواصفات العالمية، بل أكثر من ذلك يمكن أن تنشئ خطاً لصناعة الأكياس وتقوم ببيعه لشركات القطاع الخاص التي تستورد أكياسها من الخارج، لذلك رأيت توجهاً وتفهماً حقيقياً من قبل الشركة لهذا الاتجاه فشركة الورق تطبق القوانين والأنظمة وتحقق الجودة والمصلحة الاقتصادية وأهم شيء أنها تراعي السياسات العامة للبلد من خلال المنتج الوطني، حقيقة أن ذلك ما يحدث الآن، ولكن ذلك لا يعني وخاصة في ظل ارتفاع أسعار الورق العالمي أن لا أسعى إلى التوازي مع تأمين كمية من الورق المحلي غراماج 80 مع كمية من منتج غراماج 90 الذي يوفر في إنتاج الكيس، لأن الورق ذو غراماج 90 تكفي طبقتين منه لإنتاج الكيس على عكس غراماج 80 الذي يتطلب أن يكون الكيس بثلاث طبقات فالمتر المربع من ثلاث طبقات غراماج 80 يستهلك 240غرام بينما المتر المربع لطبقتين غراماج 90 تستهلك 180غرام بمعنى أن هناك نسبة 26% توفير في الورق وبما أن الورق يشكل 80% من تكلفة إنتاج الكيس فلدينا وفر بنحو 20% في التكلفة، وبالتالي لا يجب أن ننسى المنافسة القائمة حالياً مع الإسمنت المستورد فإذا ارتفعت قيمة الكيس وأصبحت تكلفة الطن الواحد من الإسمنت من جهة أكياس التعبئة 100 ليرة سورية لكل طن وهو رقم كبير بحد ذاته، فإذا قمنا بتعبئة مئة مليون كيس في السنة وكان الفارق بسعر الكيس ليرتان فهذا يعني زيادة في التكلفة تصل لـ200 مليون ليرة سورية وهو رقم كبير جداً بالنسبة لكيس سيستخدم لمرة واحدة.
* بغض النظر عن المنافسة الخارجية هناك منافسة تتمثل باستخدام أكياس النايلون في تعبئة الإسمنت فما هو تصورك بهذا الاتجاه..؟
** في الواقع حتى هذه اللحظة غير مسموح بالتعامل مع أكياس النايلون في تعبئة مادة الإسمنت، على الرغم من الوفر الاقتصادي الذي يتيحه استخدام تلك الأكياس إلا أن عدم الموافقة على استخدامه تأتي من موقف بيئي بحت، فسابقاً كان مسموح باستيراد الإسمنت بأكياس بلاستيكية إلا أن القرارات الحالية تمنع استيراده إلا معبأً بأكياس ورقية، فكنا نتعرض لمنافسة حقيقية بهذا الخصوص فسعر كيس النايلون لا يتجاوز 6 ليرات سورية بينما بلغت تكلفة سعر الكيس الورقي حسب أسعار بداية هذا العام بين 11-12 ليرة سورية أما الآن وبحسب الأسعار العالمية وبسبب الحرائق التي اجتاحت غابات روسيا ارتفعت أسعار الورق بنسبة 60% فارتفعت تكلفة الكيس الورقي إلى 15و16 ليرة سورية تقريباً حسب التوقعات، وهذا يضعنا أمام فارق سعري هائل بين تكلفة الكيس الورقي وكيس النايلون، ولكن مهما يكن الفارق إلا أن الموضوع البيئي أهم من أي فارق مالي أو وفر اقتصادي، نظراً للتأثيرات السلبية الناجمة عن استخدام البلاستيك ومن جهة أخرى فإذا كانت سياسة الدولة تسير بهذا الاتجاه فنحن مع هذه السياسة.
* كيف ترسم صورة الملامح المستقبلية للمؤسسة العامة للإسمنت في ظل انتشار معامل الإسمنت الخاصة الجديدة إلى جانب الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده سورية..؟
** في الواقع تمثل المؤسسة اليوم الشريك الرئيسي لكل ما يحدث في سورية من انفتاح اقتصادي ونشوء معامل خاصة جديدة، فهي مؤسسة عريقة تتوفر فيها الكفاءات لدرجة أن بعض الشركات الخاصة تلجأ للاستفادة من خبرات المؤسسة واستقطابها لصالحهم، إلا أنه وفي التوجه الجديد في سياسة الدولة نحو التوجه للتحول إلى شركات قابضة فسنعمل للمحافظة على الكوادر المميزة بأجور ورواتب مناسبة وحسب خبراتها لأنه وفي ظل استمرارية العمل بقانون العاملين الأساسي في الدولة سيؤثر ذلك كثيراً على الكوادر العاملة، لأننا نلحظ اليوم الكثير من العروض المنافسة التي تقدم للفنيين الجيدين كالأجور والرواتب التي تصل لنحو 100 و150 ألف ليرة سورية شهرياً من قبل بعض الشركات الخاصة التي تقيّم الراتب والأجر حسب الخبرة، لذلك لابد لنا أن نتحول للتعامل بصيغة المرونة وبحسب قوانين تعطي المزيد من المرونة لتلك الشركات، فعلى سبيل المثال صدر مؤخراً مرسوم رئاسي يقضي بإحداث شركة الاستثمارات السورية المساهمة القابضة فإذا قامت هذه الشركة كشركة قابضة بإنشاء معمل للإسمنت وفق القانون الجديد فإن ذلك بحد ذاته سيؤثر على معمل الإسمنت الذي يعمل وفق القانون القديم، لذلك نحن كمؤسسة إسمنت في حال بقينا بعيداً عن التطور في مجال المحافظة على العمال والعمل بمنطقة السوق، إذ لا يكفي أن نعمل بالاتجاه الاجتماعي والاقتصادي معاً فالمقارنة هنا غير عادلة.
* ما هي تصوراتكم حول شركة صناعة البورسلان بحماة والمجاورة تماماً لصناعة الإسمنت كونها أصبحت في الزمان والمكان الغير مناسبين لها؟
** حقيقة أن شركة البورسلان كانت تعمل بشكل رئيسي في إنتاج مادة البورسلان التي طغت عليها مادة السيراميك في الوقت الذي حافظت فيه خطوط الأدوات الصحية على إنتاجها، والتي تعمل حالياً على تطوير العديد من النماذج مع وجود مخزون سابق، وفي الحقيقة نرى اليوم بأن تكلفة الإدارة والعاملين بدلاً من أن تحمل على ثلاثة خطوط حملت على خط إنتاج واحد، علماً أن تلك الكلف كبيرة جداً ونحن نحاول في الوقت الراهن وتدريجياً عبر بعض الطروحات أن نعلنها للاستثمار ولكن ليس استثماراً لإنتاج السيراميك كون معظم المعامل الحالية تعاني من المنتج الصيني الذي غزا الأسواق المحلية، ولكن الاستثمار سيكون استثماراً للموقع في حال تحولنا لشركة قابضة فسيكون هناك استثمار للجزء الموازي لطريق عام حمص حماه- دمشق والاستثمار سيكون تجارياً أي يمكن أن تؤسس عليه مولات تجارية كغيرها المنتشرة في الكثير من الأماكن، أما فيما يخص الجزء الداخلي من الموقع فيمكن استثماره بصناعة أخرى غير السيراميك والبورسلان، ومن ناحية أخرى أود أن أقول أنه وبعيداً عن جانب الاستثمار هناك تفكير جدي بدمجها مع الشركة السورية لصناعة الإسمنت بحماة من أجل تخفيف الأعباء الإدارية والاستفادة من العمالة الموجودة فيها تدريجياً وجسد الحاجة بمواقع أخرى كونهم يعملون ضمن إطار إنتاج سلعة واحدة فعلى سبيل المثال لو قمنا بتوزيع العمالة على أعمال الحراسة والنظافة وأعمال أخرى ضمن شركة ضخمة فستصبح كلفة الإدارة على المنتج قليلة وبالتالي يمكن البيع بنسب أعلى في الأسواق، لذلك نتجه وبشكل جدي لدمجها مع شركة اسمنت حماة وعلى الأقل مع بقاء خط الإنتاج الأول للأدوات الصحية بإنتاجية جيدة وبتنافسية عالية ريثما نستطيع طرح المواقع الأخرى للاستثمار خاصة وأن الكثير من المواقع أصبح لها جدوى من الجانب التجاري أكثر منه في الجانب الصناعي لذلك يجب علينا التفكير بتلك المواقع من هذه الناحية فشركة الاستثمارات السورية القابضة اليوم هي المعنية باستثمار أملاك الدولة حسب أصول ثابتة.
قانون العاملين الموحد كان أحد الأسباب التي ساهمت في تعطيل القطاع العام
* أثرنا إعلامياً ومنذ فترة قصيرة تأثير معمل كفر بهم (معمل اسمنت حماة) على المغارة السياحية فكيف تضعنا في صورة الوضع القائم بين المعمل والمغارة كونها معلم سياحي عالمي؟
** الوضع أو الصورة بشكل بسيط هو أنه ومنذ فترة قصيرة أرسلت لجنة إلى المغارة بهدف عمل بعض الاختبارات والفحوص على جزء صغير من الحجارة التي تحتويها المغارة، وكانت نتيجة الفحوص أنه تم الاتفاق على عدم الاقتراب من بعض المواقع ضمن المغارة والقريبة منها من قبل المعمل نظراً لأن القيمة السياحية لتلك المغارة هي أهم بكثير وأكبر قيمة من استثمار بعض مواقعها لصالح المعمل.
* إلى أي درجة ممكن أن تساعد أو تعيق وجود رئيس مجلس إدارة الشركة أو المؤسسة من العاملين لديها لاسيما وأنك خضت هذه التجربة خاصة وأن الحكومة أصدرت مؤخراً قراراً قضى بأن يكون رئيس مجلس إدارة شركات ومؤسسات القطاع العام من غير العاملين لديها ؟
** بالنسبة للشركات لم يكن أحد من مجلس الإدارة وأعضائها من خارج العاملين فيها باستثناء مهندس كان من خارج العاملين فيها، وأستطيع أن أقيم تجربتي بأنها جيدة إلى حد ما، وبغض النظر عن كون رئيس مجلس الإدارة مرن أو غير مرن فلابد من الانقياد وراء مقولة “ماحك جلدك مثل ظفرك” وفي النهاية كوني مديراً للمؤسسة فأنا مسؤول وبشكل مباشر عن النتائج التي تحققها مؤسستي وبالقانون فالديناميكية اليوم إذا كان مجلس الإدارة من المؤسسة وشركاتها فبعض القانونيين يقولون أن في ذلك ديناميكية أكثر في حال تم عقد أي اجتماع طارئ لمناقشة أي مسألة فبإمكانك أن تجتمع بأعضاء مجلس الإدارة ويتم حينها أخذ القرار بتلك المسألة.
ولكن في النهاية من يدير تلك المؤسسة حتى من غير العاملين فيها هو موظف أما بالنسبة لنا وبصدق موفقين برؤساء مجالس إدارة مؤسستنا إلا أن هذه التجربة وبرأيي الشخصي تصلح أكثر للمؤسسات المساهمة، وأعتقد أن هذه التجربة تصلح للشركات الاستشارية، بمعنى إذا كان هناك أي نقص في الجانب القانوني فبإمكانك أن تعين محامي وكذلك الأمر بالنسبة للجانب الهندسي أيضاً، فأمام القانون اليوم تقع المسؤولية على عاتق المدير العام، وإذا أخذنا على سبيل المثال شركة الاستثمارات الجديدة هل ستكون بهذه الصياغة، بالطبع لا فنحن كأعضاء مجلس إدارة متعايشين مع أوضاع هذا القطاع أو ذاك ولدينا إلمام كامل به فليست الغاية هي تسمية ذلك المعاون أو المدير فالتسمية ليست ذات أهمية بقدر ما تكون الأهمية بالشخص الذي سيقدم المعطيات والمعلومات فالكثير من العاملين في القطاع الخاص الذين يعينون في مجالس الإدارة غير ملمين بالقوانين والدليل على ذلك التوجهات التي يدلون بها نحو بتنفيذ بعض الأمور ففاجأتهم بأن القانون قد لا يسمح بذلك، وبرأيي أن مجالس الإدارة لا مانع من بقائها ووجودها إلا أنها يجب أن تكون محددة العمل في القضايا الإستراتيجية فنحن على سبيل المثال لدينا خطة لتطوير بعض المعامل والمواقع، وإذا أردنا أن نوقع أحد العقود لتوريد بعض الأجهزة مثل علب السرعة وغيرها فيحتاج إلى مجلس إدارة المؤسسة ومن ناحية أخرى يظهر التناقض بإمكانية مدير الشركة أن يقوم بتوقيع العقد بمئة مليون دون اللجوء لمجلس الإدارة.
* ما بين منصب مدير عام شركة ومدير مؤسسة هل تغيرت نظرتك من حيث التعامل مع الوزارة بشكل مباشر دون وجود مؤسسة وسيطة كما كان الأمر عندما كنت مدير عام الشركة؟
** أنا في الواقع لم أغير النظرة على العكس تماماً فأنا دائماً مع المؤسسة الفاعلة، فوجود المؤسسة ضروري ولكن ليس بمنظور ساعي البريد فالوزارة اليوم لا تستطيع التعامل مع 150 شركة، لأن العمل اليومي والمتعلق بدراسة إستراتيجية للإسمنت لا يتعلق بعمل شركة لوحدها، بل تحتاج إلى جهاز كامل من الوزارة يفوق جهاز المؤسسة بضعفين، فاليوم تتعامل المؤسسة مع ثماني شركات للإسمنت ومواد البناء وفوق ذلك تشغل الوزارة، فكيف الحال إذا كان التعامل بشكل مباشر إلا أن دور المؤسسة يجب أن يكون دور استراتيجي يتدخل في التفاصيل اليومية إلى جانب الدور التنسيقي بين الشركات في حال كانت المؤسسة حريصة على تفعيل الجو الأهلي بين الشركات نظراً لوجود بعض الأمور والمسائل الغائبة عن الشركات فيما بينها، لذلك وجود جهة منسقة له دور فاعل في تحسين الأداء ومن جهة أخرى قد ترى المؤسسة نفسها أحياناً بعيدة عن الإستراتيجية العامة للدولة وأن ليس لها أية علاقة في التدخل للتخطيط بتلك الإستراتيجية إلا أن ذلك الكلام خاطئ فالمؤسسة اليوم هي جهة تستطيع من خلال دخول شركات خاصة للإسمنت أن تقوم بتأسيس العديد من الشراكات مع المعامل الحديثة، فهذه الدراسات لا يمكن أن تقوم بها كل جهة على حدا، فالمشاغل اليومية لمدير الشركة هي أكبر من المشاغل اليومية لمدير المؤسسة، لأنه المسؤول الوحيد عن اصغر الأمور في شركته بدءاً من البرغي، لذلك دور المؤسسة ضروري في حال كان دورها كمنسق ومتابع ومساعد.
* إلى أي حد ساعدت تجربة العمل في مؤسسة الإسكان العسكرية كأحد القطاعات العامة إبراهيم عباس للوصول والنجاح في تسلم منصبه الحالي لاسيما وأن الإسكان العسكرية كانت تتمتع بعقلية منفتحة ومرونة ساعدت في بناء البلد؟ وكيف استفدت من تلك المرونة والعقلية؟
** في الواقع أن مؤسسة الإسكان العسكرية ساهمت وبشكل فعال في بناء البلد، حيث تعلمنا في مؤسسة الإسكان العسكرية مبدأ هاماً يقول أن المسؤوليات على قدر الصلاحيات وقمنا بتطبيق هذا المبدأ العام ضمن الإسكان العسكري ففي عام 1982 كنت مديراً للفرع الصناعي الذي ساهم في تنفيذ المدينة الرياضية في اللاذقية تلك المنشأة الضخمة وفي ظل حصار كبير على سورية فلو استطاعت البيروقراطية أن تتوغل أثناء تنفيذ المدينة لما رأيت حتى اليوم ما يسمى مدينة رياضية، حيث كنت أمتلك صلاحيات في العمل أكثر من الصلاحيات التي امتلكها في الوقت الراهن، بسب القوانين التي صدرت ومنها قانون العاملين الموحد الذي ساهم في إضعاف القطاع العام، والدليل على ذلك اعتراف الدولة ضمنياً بذلك الإضعاف من خلال التحول إلى شركة قابضة تعمل وفق قانون العمل 17 فالمرحلة التي نشأ فيها الإبداع آنذاك قد ماتت، فالورش الكهربائية وورش الطينة أيام الإسكان العسكري كانت تحصل على رواتب وأجور بقدر ما تعمل وتنتج أما الآن فقانون العاملين الموحد قضى على ذلك وساوى بين جميع المعنيين فترى أحياناً أن العامل قد يحصل على مرتب وأجر معين نتيجة قيامه بعمل ما وآخر موظف معه في نفس حقل العمل أصيب أو حصل على استراحة تراه يحصل على المرتب نفسه فربط الأجر بالإنتاج كانت سمة الإسكان العسكري كذلك ربط الأجر بالإنتاج هو مبدأ صالح لكل زمان ومكان وكل جهة حكومية لا تعمل وفق هذا المبدأ ستصاب بالضعف والوهن فالأجر يجب ربطه بالإنتاج والإبداع والالتزام لأنه وفي النهاية سيكون هناك مردود لأنه وأثناء المقارنة بين ورشتين إحداهما تنتج شهرياً 200متر من الطين وأخرى 2000متر فهل سيتساوى المردود المادي بين الورشتين على أساس نسبة الإنتاج وبالطبع لا وسيكون هناك فارق كبير لمن ينتج أكثر سيحصل على مردود أكثر وعندما كنت مديراً للفرع الصناعي آنذاك كانت صلاحياتي تسمح لي باتخاذ كافة الإجراءات دون الرجوع إلى المدير العام إلا في الحالات النادرة فعملية المبادرة وربط الأجر بالإنتاج لا تزال إحدى الأفكار التي أؤمن بها حتى الآن.
* كيف كانت تجري أمور الرقابة والتفتيش على مؤسسة الإسكان العسكرية دون سواها من مؤسسات القطاع العام على الرغم من وجودها في ذلك الوقت؟
** في الواقع كان يطبق على مؤسسة الإسكان العسكرية نظاماً محاسبيا لا يزال يطبق حتى هذا الوقت حيث يتم التدقيق سواء من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش فبالنسبة للميزانية كانت تدقق سنوياً كغيرها من الميزانيات الأخرى على الرغم من عدم وجود رواتب محددة قبل عام 1985 إلا أن تلك المرحلة عشنا فيها وتربينا على أسس العمل فيها فالكثير من الورش في ذلك الوقت كانت تؤجل صرف مستحقاتها من الرواتب الشهرية في حال لم يكن لديها جبهات عمل في الأشهر التالية، فكان هناك تفاعل وأكرر وأعيد أنه في أي عمل في أي قطاع اقتصادي وفي أي بلد من بلدان العالم إذ لم يتم ربط الأجــــر بالإنتاج الفعلي فالبادرة والإبداع ستختـــــــفي تدريجياً، وللأسف فإن قانون العـــــاملين الموحد كان أحد الأسباب التي ساهمت في تعطيل القطاع العام.