يتم حالياً عرض الجزء الأخير من مسرحية القضاء على الأمة العربية بعد أن تم استنفاد ثرواتها وخيراتها ومالها وتفكيكها وتفتيتها وتجزئتها وإفقارها وتحويلها إلى دول وممالك ومشايخ وإمارات وأمصار وإعادة تجزئتها لجمهوريات شمالية وأخرى جنوبية، وقد تم بث الطائفية والكراهية بين شعوب الدول العربية المجزأة لتحارب بعضها وتفنى وتخرج من حلبة التاريخ، وقد حدث هذا لحضارات أخرى مضت بصمت ولم يبقى منها شيء وهذا هو المطلوب.
ليس بالصدفة أن يطلق على سوريا مسمى قلب العروبة النابض، فالقلب يزود أعضاء الجسد بإكسير الحياة وهو الدم الذي ينقل الهواء والغذاء والماء والدواء، وهذا ما فكرت به بعد ان تلقيت مكالمة في سيارتي ظهر الخامس من نيسان عام 2007 وكان الرقم غريباً والمتحدث سيدة ودارت المحادثة الآتية:
ـ مرحباً آرا كيف الحال
ـ أهلاً الحمد لله بألف خير
ـ أنا سحر... سحر بساطة
ـ يفترض أنك في دبي
ـ لا أنا الآن في الشام
ـ أهلاً بك ... متى وصلتِ
ـ أنا هنا منذ أسبوع ... أرجو أن تلتحق بنا الساعة الثانية بعد الظهر في مطعم قصر الشام في دمشق القديمة شرق الجامع الأموي.
ـ وماذا هناك؟
ـ عزيمة على الغذاء مع لفيف من الأصدقاء
ـ سأكون هناك في تمام الساعة الثانية
ـ تعال قبل الثانية لأن هناك مقابلة مع التلفزيون العربي السوري الذي وعد بأن يرسل من يمثله لتوثيق وتصوير الحدث.
ـ ممتاز ولكن ما هو الحدث؟
ـ تعال فتعرف
ـ إلى اللقاء
ـ إلى اللقاء
وصلت قبل الثانية بقليل وكانت السيدة سحر بساطة خلف الميكروفون وتحت الأضواء، ووقفت في مكاني لأني أعرف القواعد المتبعة عند إضاءة الضوء الأحمر المتعلق بالكاميرا والذي يشير إلى "جاري التصوير".
استمعت إلى كلمة السيدة سحر بساطة ففهمت الحدث وهو ما يلي:
تم تشكيل لجنة وطنية شعبية للمطالبة باسترداد جمجمة ورفات البطل الشهيد سليمان الحلبي من باريس وقد تم إرسال وفد شعبي للتحقق من مكان تواجد الرفات فتبين أنه قد تم التنكيل بالرفات بما يخالف أبسط قواعد الإنسانية والتمدن والتحضّر في دولة كفرنسا، فرنسا التي صّدعت رؤوسنا المتعبة بقواعد الإنسانية وما يتفرع عنها.
وعرفت اللجنة انه تم التحفظ على جمجمة البطل سليمان الحلبي في متحف آنفاليد أو ما يعرف بمتحف الإنسان في قصر شايو في باريس بالقرب من برج إيفل وقد تم وضعها في قفص زجاجي وكتب تحت الجمجمة عبارة جمجمة المجرم سليمان الحلبي قاتل الجنرال كليبير، وإلى الأعلى جمجمة كتب عليها هذه جمجمة عبقري، وهي جمجمة العالم ديكارت.
ان هذا العمل لا يخلو من العنصرية والاستخفاف بالإنسانية وبالشعوب الأخرى وتطلعاتها وآمالها وأمانيها والنيل من أبطالها والأهداف التي استشهدوا في سبيلها وهي مقارعة الاستعمار وتحرير الوطن من العبودية، وبالتالي فسليمان الحلبي في نظرهم مجرم وفي نظر أهله بطل قومي، وفي نظر أهل مصر المسيح المخلّص القادم من بلاد الشام لينهل العلم في الأزهر وليؤدي الدَين الذي في رقبته تجاه شعبه وأمته ووطنه العربي الكبير، وليكون القدوة لجول جمّال فيحذو جول جمّال حذوه.
جول جمّال الذي أغرق جان بار تلك السفينة العملاقة الضخمة المزودة بالمدافع البعيدة المدى والتي كانت مفخرة البحرية الفرنسية والتي وصلت على أمل إحراق مدن وشواطئ وغابات وأراضي وانهار وأطيان وآثار ومزارع وعمارات مصر المطلة على المتوسط، فأحرقها جول جمّال بروحه ودمه وجسده وأحالها إلى سعير ثم إلى نفاية غارقة لا تنفع في شيء.
ولم يشفع المقتدي وهو جول جمّال ولا المقتدى به وهو الشهيد سليمان الحلبي، لم يشفع كلاهما للأقباط أهل مصر الأصليين لدى من يسومهم العذاب دون وجه حق، على الرغم من أن الجمّال والحلبي استشهدا تحت عنوان الأمة العربية الواحدة واللحن الأزلي الخالد الذي عرفه الجمّال بحواسه وعرفه الحلبي بقلبه، وهو نشيد بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن مصر إلى يمن ومن مصر فتطوان، ولا بد من طرح هذا السؤال في هذا المقام وهو: لماذا وضع الشاعر اسم الشام في مطلع البلدان التي وردت في القصيدة؟
الجواب معروف وبديهي والصمت حياله أصدق تعبير وأنصع مقولة، وفي التاريخ أصدق الأنباء، ولكل عائد للتاريخ ردة فعل بديهية حيال الشام وهي الصمت.
وبالعودة إلى رفات الحلبي فإن ما تبقى من الرفات موجود بكل أسف في متحف حديقة الحيوان والنبات في باريس وباريس عاصمة فرنسا... فرنسا التي صّدعت رؤوسنا المتعبة بقواعد الإنسانية وما يتفرع عنها، وقد وصلت في ممارستها للإنسانية الغاية القصوى خاصة في تبنيها لمحنة الأرمن إبان الإبادة الكبرى في العام 1915 واحتلالها لسوريا، وترويعها للشعب الجزائري وتكبيده مليون شهيد في حفلة من حفلات الإبادة المروعة، وأمجادها في فيتنام التي أضاف إليها الأمريكان ما هو معروف ولا يحتاج إلى الوصف والبيان.
ورفضت فرنسا بالطبع تسليم رفات الشهيد البطل سليمان الحلبي... ولكن عزيمة سحر بساطة وأصدقائها وأنا من انضم إليهم متأخراً لم تلين فهناك جولات أخرى قادمة ولا يضيع حق ورائه أهل الشام.
يعتبر الشهيد العربي السوري البطل سليمان الحلبي أول من قارع المستعمر الغربي الحديث المتمثِّل بالعدوان الفرنسي على مصر وقد جسَّد مفهوم الوطنية والوطن العربي وعياً وإيماناً وشكلاً من أشكال البطولة والتضحية بالنفس فداء للوطن.
فالحملة الفرنسية التي قامت على مصر مابين ( 1898 – 1801 ) م لجعل مصر مستعمرة فرنسية ، والتي آلت من حيث القيادة للجنرال كليبر الذي عيَّنه نابليون بونابرت قائداً للجيش وحاكماً على مصر قبل رحيله عن مصر بعد تصدع عرش الإمبراطورية في باريس ، قد أذاقت المصريين العلقم جراء ما ألحقته بهم من عسف وقهر وتعذيب وإذلال .
وكان سليمان الحلبي طالباً في الأزهر الشريف... وكان ومعه أساتذته ممن فهم اللعبة ولم تنطلي عليه ولا عليهم خدعة نابوليون بونابرت وهي إشهاره لإسلامه، وهذا بالطبع ما سار عليه فيما بعد يهود الدونما في محافل سالونيك الماسونية طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا السفاح الذين أشهروا إسلامهم في العلن وحافظوا على كنسهم اليهودية في الخفاء وساهموا في تقطيع أوصال الأمة العربية وأعملوا معاول الهدم فيها حتى النفس الأخير.
وبحث سليمان الحلبي عن كليبر وطعنه في صدره طعنة نجلاء حطمت أضلاعه وخرج نصل خنجره من ظهر كليبير، وتم بالطبع إلقاء القبض على سليمان الحلبي ليقابل الموت.
" وقد قابل سليمان الحلبي الموت ببسالة ، إذ وضع يده بجرأة في النار الملتهبة ، ولم ينبس ببنت شفة حينما كانت تحترق ، كما كان باسلاً طيلة الساعات الأربع والنصف التي قضاها بعد حرق يده وهو تحت التعذيب إلى أن قضى نحبه على الخازوق وهو آلة الإعدام المسجلة كبراءة اختراع عالمية للأتراك الذين كانوا يحكمون مصر قبل الاحتلال الفرنسي".
ويصف هنري لورنس بعض ما حدث بقوله :
ولحسن الحظ يتم العثور على القاتل الذي كان قد لاذ بحديقة مجاورة ، وهو حلبي اسمه سليمان ، ويجري على الفور التحقيق معه وتعذيبه على يد بارتيملي، وتتم دعوة الشيخين الشرقاوي والعريشي إلى الاجتماع فوراً، وتصدر إليهما الأوامر بالتحرك لإلقاء القبض على عدد من الأزهريين ، وتجتمع محكمة عسكرية في 15 و 16 يونيو حزيران وتحكم على الحلبي بحرق يده اليمنى ثم قطعها، وبقتله بعد وضعه على الخازوق علناً ، وتحكم على الأزهريين الذين تستروا على الحلبي بقطع رؤوسهم، على أن يتم قطع رؤوس الأزهريين أولاً ودفنهم وبعد الدفن يتحرك الحاضرون لمشاهدة تعذيب القاتل وإعدامه.
وتفنن الفرنسيون في تعذيب سليمان الحلبي وأحرق بارتيملي ( فرط الرمان ) يده اليمنى ثم قطعها، وبعد ذلك تم وضع سليمان الحلبي على الخازوق، ولقي الحلبي الموت بشجاعة فائقة مردداً الشهادتين وآيات من القرآن الكريم.
وفي معرض البحث عن صور قديمة تتعلق بأيام الدراسة في ثانوية أمية ليتم إرسالها إلى صديق في الولايات المتحدة، أضعت معظم يوم الجمعة 14 نيسان 2012 في البحث بلا هوادة وبدون نتيجة لأن عدد السيديات عندي زاد عن الألفين ولأن معظم السيديات وخاصة القديمة منها تحولت إلى نفاية وخسرتُ كافة المعلومات التي كانت عليها لأنها نخب عاشر ومستوردة من الصين بمعية تجّارنا الأشاوس، وشاء الله أن أعثر على صور مطعم قصر الشام في دمشق القديمة شرق الجامع الأموي، هذه الصور التي فقدت الأمل في العثور عليها قبل اليوم... فسارعت إلى تنصيبها في حسابي على الفيس بوك وعلّقت على صورة السيدة سحر بساطة بما يلي:
السيدة سحر بساطة رئيسة جمعية سليمان الحلبي قاتل الجنرال كليبير قائد الحملة الفرنسية على مصر وقد تمت إنابة كليبر بعد اضطرار نابوليون بونابارت العودة إلى فرنسا وقد تم تنفيذ حكم الإعدام بسليمان الحلبي بعد الاغتيال.
ودفن سليمان الحلبي في مصر وتم فيما بعد تدنيس ونبش قبره من قبل الفرنسيين فأخذوا معهم رفاته وجمجمته لتعرضان في متاحف فرنسا أمام جماجم أخرى وقد كتب تحت جمجمته هذه جمجمة المجرم سليمان الحلبي قاتل الجنرال كليبير أما جمعية السيدة سحر بساطة فتسعى لنقل رفاة البطل سليمان الحلبي إلى مسقط رأسه في سوريا ...مدينة حلب وإعادة دفنه في احتفال مهيب يليق ببطولته الفذة الغير مسبوقة التي برهن فيها على وحدة الأمة العربية ومصيرها المشترك
الصور أخذت في مطعم قصر الشام في دمشق القديمة شرق الجامع الأموي وبتاريخ 05 04 2007‏وتضم السيدة سحر والسيد المحامي فواز الخوجه صديق الدراسة في ثانوية أمية ولفيف من أعضاء الجمعية.
ونتمنى "للجنة الوطنية الشعبية المُطالِبة باسترداد جمجمة ورفات سليمان الحلبي من باريس"، متابعة هذا العمل الوطني الكبير، ومن يعلم فقد ينجح هذا المسعى ونقيم لسليمان الحلبي جنازة لائقة وندفنه في حلب أو ندفنه هناك في مصر قرب الأزهر أسوة بجول جمّال الذي اختار أن يدفن في البحر قبالة شواطئ مصر ايماناً منه بوحدة الأمة العربية ومعانقته لمائها وترابها وحبه لكل شبر ينتمي إليها تأييداً لمقولة كل شبرٍ من ثراها دونه حبل الوريد.
الرابط الموصل إلى الصور المتعلقة وعددها 22 صورة