كتب:أيمن قحف
أتابع عن كثب مسار أزمات توفر المواد الأساسية في الأسواق السورية،وبالتأكيد أشعر بالرضا لأن الحرب لم تحرمني وأولادي من الخبز والمواد الغذائية والاحتياجات الأساسية،ولا حتى الماء والكهرباء والاتصالات ومتعة التلفزيون!
حتى الآن ،تجاوزنا بنجاح أزمات المحروقات المتلاحقة ،ولكن هل نستمر بالعيش على أعصابنا في كل مرة حتى نصل-حد السكين-لنستيقظ ذات يوم فلا نجد مازوت لبيوتنا وللمخابز والمشافي والنقل العام؟!!
نستيقظ على فقدان البنزين فلا نستطيع تحريك سياراتنا؟!!
نريد تناول فنجان قهوتنا أو إفطارنا فلا نجد جرة غاز في بيوتنا؟!
نحاول أن نستخدم الكهرباء فلا نجدها لعدم توفر الغاز والفيول لمحطات التوليد؟!
نحاول تشغيل مولدة فلا نستطيع لعدم وجود البنزين والمازوت؟!!!
من يقارن الصورتين:صورة المواد الغذائية وصورة المحروقات سيجد أن هناك فارقين أساسيين هما في دور القطاع الخاص،ونظام التسعير...
في موضوع السلع الأساسية أعطي الدور الأكبر للقطاع الخاص فتوفر كل شيء وبقيت مؤسسات القطاع العام تلعب دور التدخل الايجابي لكبح الأسعار،تم تحرير الأسعار لكن السلع توفرت وهذا هو الأهم،القطاع الخاص لديه القدرة والمرونة على تأمين أي سلع وتمويل استيرادها بالسرعة المطلوبة.
في موضوع المحروقات تمارس الدولة دوراً احتكارياً في انتاج واستيراد و توزيع النفط والمشتقات النفطية فتدفع فواتير غالية و تفسح المجال للسياسة أن تتدخل بالأمر بشكل يحرمنا أحياناً من المواد المطلوبة في الوقت المناسب!
حصرية الاستيراد والتوزيع خلقت جواً مواتياً للفساد بين الكادر الحكومي والموردين بسبب الرقم الفلكي الذي تحتاجه فاتورة المحروقات!
تحديد الأسعار –بسياسة الدعم-ساهمت في خلق التهريب للدول المجاورة وخلق حالات احتكار وأزمات لا تنتهي!
أعلم أن أصحاب القرار يعيشون على أعصابهم في كل مرة تنقص فيها احتياطيات المحروقات ويستنفرون ليلاً نهاراً لتأمينها،وهم يتحملون النقد اللاذع من كل الاتجاهات بسبب أزمات المحروقات،وأعلم أنهم يخشون أكثر اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الملف كي لا يفقدوا "شعبيتهم"!
ولكن علي أن أوجه النصيحة-بعد ربع قرن من العمل اليومي مع الحكومات المتلاحقة والقطاع الخاص في الشأن الاقتصادي-ونصيحتي هي باختصار:استبدال الدال بالراء فقط!!!!!
"تحرير الأسعار"بدلاً من تحديدها،والسماح للقطاع الخاص بالاستيراد والتوزيع وفرض ضرائب ورسوم على المستوردات ..
هذا القرار له ايجابيات كثيرة أما محاذيره فيمكن تجاوزها...
أول ايجابياته هو تأمين المادة في الأسواق فالقطاع الخاص قادر –كالعادة-وثانيها وقف التهريب ووقف نزيف المال السوري حيث يستفيد مواطنو الجوار من سياسات الدعم أكثر من السوريين!
لن يكون هناك أزمات ولا احتكار وسيستطيع المواطن ورجل الأعمال وصاحب القرار أن يبني سياساته على أرقام واضحة ثابتة مرتبطة بالسوق العالمية.
سيتوفر لدى الدولة مئات المليارات من هذا القرار تستطيع عبرها التعامل مع أي منعكسات سلبية على المواطنين الفقراء والأشد عوزاً ومع القطاعات الانتاجية التي تستحق الدعم بصورة مركزة .
ستوفر الأموال التي سيؤمنها تحرير أسعار المحروقات الإمكانية للتفكير بإعادة الإعمار وتأمين حلول للمواطنين وفرص عمل.
أما المحاذير فهي أولاً ردة فعل الشارع الذي سيتضرر من ارتفاع الأسعار ،لكن من الضروري ان يترافق القرار مع إجراءات فورية لمعالجة المنعكسات على المواطن والقطاعات الانتاجية ،والقيام بحملة إعلامية لكسب تعاون المواطن لرؤية الايجابيات العاجلة والآجلة على حياته ولا سيما أنه يعاني من أزمات المحروقات في المواصلات والتدفئة ويدفعون اليوم الفارق بحجة: نشتري المازوت من السوق بسعر مرتفع!
لم يعد من الممكن الانتظار ،من الواضح أن استعادة انتاجنا النفطي لسابق عهده غير ممكن في الوقت القريب بسبب الواقع الحالي ،وانتظار ناقلة من هنا أو هناك قد تتأخر وقد لا تأتي ليس حلاً حكيماً ،وترك مصافينا تعمل بالطاقة الدنيا وما يحمله ذلك من كلف عالية وأضرار على المنشأة ليس عملاً اقتصادياً صحيحاً..
القرار يحتاج لمسؤولين"رجال رجال"..سأتحمل وحدي اليوم مسؤولية "غضب الشارع و المراقبين" بالدعوة لتحرير أسعار المشتقات النفطية والسماح للقطاع الخاص "الشرير ومصاص الدماء" بالدخول إلى المعادلة لعله ينجح كما نجح في معادلة المواد الغذائية.. و تبقى الدولة فوق الجميع فهي تسن القوانين وتراقب تطبيقها...وهذا يكفي!