دمشق- سيريانديز
بالرغم من أن الدولار الأمريكي سـجل ارتفاعاً قوياً خلال الشــهر الماضي أمام العملات الأجنبية بمقدار 4 بالمئة تقريباً إلا أن الليرة الســورية انخفضت بأكثر من 10 بالمئة بالفترة الزمنية نفســها مما يعني أنّ العوامل النفســية و المضاربة تشــكل ضغطاً أكثر على الليرة الســورية من العوامل الموضوعية .
بكل الأحوال فإن الفجوة الســعرية بين الســعر الرســمي و ســعر الســوق تشــكل معضلة لم يتم حلها بعد ثلاث ســنوات من الأزمة ، فالمركزي قام بسلسلة إجراءات لســد الفجوة بين الســعرين من خلال تحديد كمية إدخارية شــهرية لكل مواطن ، و تمويل المســتوردات بالســعر الرســـمي إلا أن مشكلة التمويل عملياً تتجلى بقيام المركزي بتمويل المســتوردات بسـعر أعلى من ســعره الرســمي و هو ما يخلق ثغرة في مصداقية ســعر المركزي الرســمي
في الحقيقة إن الســوق الســوداء تســتغل تلك الثغرات الأخرى مثل المواطن الذي يريد إدخار أكثر من خمســمئة دولار شــهرياً، أو تلك المســتوردات الكمالية التي يرفض المركزي تمويلها ، أوالنفقات العلاجية التي تتجاوز الحد الأقصى المســموح تمويله بالقطع الأجنبي ، لكن بتقديري و باجتماع هذه الثغرات المحدودة فإنها لا تبرر هذه الفجوة الســعرية بين الســـعرين مما يجعلنا نرجح أن ســعر الســوق ينحو نحو الاحتكارية و فرض الســعر أكثر من كونه ســعراً حقيقياً لليرة الســورية مقابل الدولار الأمريكي بدليل هبوط ســعر الليرة الســورية من 320 ليرة مقابل الدولار في تموز الماضي إلى 140 ليرة ســورية، و لذلك فإن فرضية " الاحتكار الســعري " لليرة الســورية أمام الدولار الأمريكي مازالت هي الأكثر مصداقية بعد تحليل المعطيات الاقتصادية المحلية المتوافرة .
من ناحية هناك ضرورة لإجراء دراسـة ســنوية وســطية لمعدل انخفاض الليرة الســورية أمام الدولار الأمريكي خلال خط زمني يمتد لســـنة و بناء على تقديراته التقريبية أن يعدل معدلات الفائدة على الودائع بالليرة الســورية في البنوك المحلية، و إلا فإنّ اتساع الفجوة الرقمية بين ســعرة الفائدة و معدل انخفاض قيمة الليرة السـورية ســيدفع بالمدخر إلى كســر ودائعه بالعملة المحلية و تحويلها إلى العملة الصعبة مما ســيعني مزيداً من الضغوط على الليرة الســـورية .
لذلك فإن آلية طرح عشــرين مليون دولار في الســوق من قبل المركزي مع كل ارتفاع مفاجىء ليس الإجراء الوحيد فهناك رفع معدلات الفائدة على الودائع خاصة و أنّ حجم الإقراض الاسـتهلاكي و الإنتاجي للبنوك المحلية ضمن الحد الأدنى في الفترة الحالية و بالتالي فإن ارتفاع معدلات الفائدة لن يســبب ركوداً اقتصادياً طالما أن عوامل الركود الاقتصادي المحلي مرتبط بعوامل موضوعية أكبر و أعقد من معدل الفائدة .
و تشــكل العملة الوطنية الهوية الأبرز في وجود الدولة على المســتوى الفلســفي و الاجتماعي و الاقتصاد الوطني يرتبط عضوياً بالعملة الوطنية، و بقاء و اســتقرار المجتمعات مرتبط مباشــرة بالحركة الاقتصادية و لذلك فإن قضية ســعر الصرف لا تقل حســاســية و أهمية عن أي قضية وطنية جوهرية مطروحة في الســاحة الســورية حالياً ، فالثروة أحد الأسس الثلاث في قيام المجتمعات و تآكل الثروة و زوالها ســيؤدي إلى زوال المجتمع.
الدكتور محمد وائل حبش
أخصائي في النقد و الأسواق المالية