د. عبد اللطيف عمران 

أخيراً وصل الأخوان المسلمون الى السلطة وتحققت بعض طموحاتهم في أكثر من بلد عربي وإسلامي، بعد صراع دام قرابة قرن من الزمن بين مد وجزر وإشكالات وتحالفات ومؤامرات بعضها مع أعداء العروبة والإسلام التاريخيين والواقعيين.
لكن هذا الوصول اقترن بسرعة الانكشاف والسقوط، نظراً الى هشاشة التجربة، وقيامها على مفارقات غرائبية سرعان ما تصطدم بالواقع لعجزها عن مواجهة الحقائق والتعامل مع نزوع الأجيال الجديدة في عصر العلم والعولمة والانفتاح وثورة المعرفة. وإلى عدائهم المتأصل لما أنجزته حركة التحرر الوطني والقومي من الاستعمارين العثماني والغربي، فهم يعملون على تقويض هذه المنجزات، والتنسيق مع التجليات الجديدة لهذين الاستعمارين.
وبوصولهم المرير هذا بدأ مشروعهم يلفظ أنفاسه الأخيرة «مصر - تركيا» بما يُعرف عن مظاهر "يقظة الموت" لأنهم يدمرون الدولة الوطنية، ويقوّضون مؤسساتها ومشروعها وشرعيّتها التي لم تُستكمل بعد أساساً، ويجهلون أسباب أزمة الدولة العربية الراهنة لاصطدامهم المباشر والفاشل مع (ثنائية الدولة والمجتمع)، فمعهم ومع نظريتهم في الحكم سيبقى المجتمع على هامش الدولة، كما ستبقى الدولة ضد المجتمع. وبالمحصلة لا وجود معهم للوطن ولا للدولة الوطنية، لاعتمادهم الرجعي على مفهوم للأمة إقصائي مذهبي تفريقي يتناقض مع البعدين العرفاني والإنساني لرسالة الإسلام السمحاء.
وبهذا لا تكون تصرفات محمد مرسي الزعيم الإخواني، لا الرئيس المصري، مستغربة، وذلك لارتباط المقدمات بالنتائج، فالرجل أسير تنظيمه الحزبي، مكبّل اليدين ومقيّد العقل والوجدان، لا يستطيع الفرار من أسره، والخروج من حدود قيوده وهو بهذا يؤكد يومياً عدم شرعية رئاسته للشعب المصري، وهذا ما يثبته الواقع اليومي لجماهير مصر العربية. والأمر نفسه ينطبق على أردوغان.
يستفزّ الإخواني مرسي بـ"مبادرته الفريدة" في الجهل والتآمر والوقاحة جميع الوطنيين والعروبيين والمسلمين الحريصين على عضوية العلاقة بين العروبة والإسلام وتكاملها، ولا سيما مع وجود مشروع صهيوني ناجز وواضح المعالم والأهداف رغم قفز مرسي فوق مخاطره وتحدياته المستمرة والمتجددة.
وهو وإن توّج اجتماع ما يُعرف بـ"موقف جهلاء الأمة من أحداث سورية" بالخزي والعار لاعتبار المجتمعين أن مقاومة المشروع الصهيوني خطراً عليهم، واستبدال ذلك بتكفير مقاومي هذا المشروع، فإن الرجل أقدم على ما أقدم عليه بحق الجمهورية العربية السورية التي يعلم أن الرئيس عبد الناصر هو من أطلق عليها لقب "قلب العروبة النابض"، عن سابق عقيدة وتصميم آخذاً بالحسبان عدداً من المستجدات المؤلمة له، ومنها:
- تنامي وعي عام بعجز الرجعية العربية والإسلامية عن تحقيق الاستقرار والتنمية والتحوّل المنشود، وبروز مظاهر الخلل والتفرقة والتدمير في المجتمع والدولة مع وصول الإخوان الى السلطة، ولاسيما معه في مصر، ومع أردوغان في تركيا، حيث انكشف هذا النموذج في الحكم وفشلت تجربته القائمة على التسلل والخداع.
- نجاح الجيش العربي السوري في إفشال مخطط التدمير والتكفير، وصمود مؤسسات الدولة الوطنية العربية السورية، وعجز المجموعات الإرهابية المسلحة وتراجعها ميدانياً وشعبياً ودولياً. فظن أن إقدامه الأرعن يعوّض خسارةً يجهل أنها متوالية لجماعته في سورية ومصر وغيرهما، فكان تخيّره طعنة سورية ليقينه أنها كانت وستبقى صلب المشروع العروبي المقاوم للصهيونية وللرجعية ولأوهام التكفيريين والطائفيين العَجَزة.
- قراءته الخاطئة لعدد من الأحداث الإقليمية المواكبة لقراره البغيض سواء في الأردن أو لبنان أو إيران أو العراق، وهروبه مما يعانيه بعجز مع شعب مصر الذي سارعت أطياف واسعة منه -الجيش والقوى الوطنية والعروبية والنقابات- للتنديد بجريمته الشنعاء التي كشفت دوره التآمري في دعوته لاستباحة سورية والمنطقة بما يمسّ السيادة والروابط الوطنية والعربية والإسلامية، وبما يخدم المشروع الصهيوأمريكي الرجعي في المنطقة والعالم.
- انكشاف نفاق وخداع النسق الذي ينتمي إليه من حيث الادعاء أن ما يحدث في سورية ثورة، وتجاهله مخلفاتها من إجرام وتخريب وتكفير في المجتمع والدولة والأمة. وادعاؤه أن مصر ستبقى معه كما قال في مؤتمر "جهلاء الأمة" الذي اختتمه في القاهرة: «عوناً وقائداً وحاملاً لمشعل الحضارة العربية». فأية حضارة يا مرسي وسلطتك تفعل ما تفعله بالثقافة والفنون والوعي والهوية والانتماء ؟!.
والحقيقة فقد غاب عن مرسي الهدوء والحكمة والبصيرة، فانفلت من عقاله أرعن جاهلاً. فمن يقيله من عثراته، ويُنجِدُ منه ومعه مصر وسورية والأمتين العربية والإسلامية ؟!.
سيكون صمود سورية الشعب والجيش والمؤسسات الوطنية أهم عامل في النجدة، وفي فشل المشروع التآمري الواسع والآخذ في الانحسار والانكشاف مع مرور الأيام.