سيريانديز- خاص
بعد أن وقعت"الفاس بالراس" بدأت وزارة الزراعة ببث نصيحة في الشريط الإخباري للتلفزيون السوري للفلاحين تحذرهم من رش الأقماح بالمبيدات وبريها بالرذاذ قبل الظهر فقط!
للوهلة الأولى يسود انطباع إيجابي في ذهن من يقرأ النصيحة المذكورة بأن وزارة الزراعة تقدم الإرشادات المناسبة للمزارعين قبل وقتها وتنصحهم بالأساليب الفعالة لوقاية أقماحهم من الآفات الفتاكة!
ولكن من يتابع أخبار الزراعة سيكتشف أن نصيحة وزارة الزراعة وكعادتها دائما أتت متأخرة جدا لأنه كما ذكرنا وقعت "الفاس" في "راس" الفلاحين منذ أكثر من عشرة أيام!
"الفاس" هذه المرة تجسدت بصدأين "لاصدأ واحد" الأصفر والبرتقالي حصدا خلال فترة قصيرة 180 ألف هكتار حتى نهاية آذار الماضي .."والحبل على الجرار"!
ومن يدخل على موقع وزارة الزراعة لن يجد شيئا عن آفة الصدأ أو المساحات المتضررة ، وكأنّ تجاهل الوزارة للمساحات الكبيرة المصابة بالصدأين الأصفر والبرتقالي يعفيها من مسؤوليتها عن هذه الكارثة التي حلّت بالمزارعين!
لاشك أن مساحة الحقول المتضررة تزداد يوما بعد يوم ولن نعرف حجمها إلا متأخرين جدا!
ويبدو أن الوزارة عممت على مديرياتها بالتكتم على الأضرار التي لحقت بمحصول القمح بانتظار معجزة "لن تأتي" تنقذ موسم حبوب 2010 !
وما يؤكد ذلك هذا الصمت "المريب" الذي يخيّم على مسؤولي الوزارة في الوقت الذي يفترض فيه أن "يكثروا" من الكلام لشرح ماحصل وللعمل على تخفيف الأضرار القادمة قدر الإمكان!
سبق واعترف مدير الوقاية في وزارة الزراعة أن نسبة إصابة أصناف القمح الطرية بالصدأين تراوحت مابين 50- 70 % في حين تراوحت الإصابة بالنسبة للأصناف الطرية مابين 30 – 50 % ..
ونستنتج بسهولة أن 50 % على الأقل إجتاحها الصدأ،وهذا يعني أن الخسائر تقدر بالمليارات إذ ان الحكومة تشتري أقماح الموسم بمبلغ لايقل عن 30 مليار ل س،ويصل الرقم في المواسم الجيدة إلى أكثر من 50 مليار ل س !
ونكتشف من المعلومات التي أدلى بها مدير الوقاية في وزارة الزراعة لصحيفة الثورة في الأول من نيسان الجاري إننا امام كارثة كبيرة.. ونقول "كارثة" لأن الصدأين الأصفر والبرتقالي إجتاحا جميع المحافظات المزروعة بالقمح الطري والقاسي ،وخاصة في الرقة "75 ألف هكتار" وفي الحسكة"73 ألف هكتار" وفي دير الزور"12500 هكتار"!
ويعترف مدير الوقاية أن موسم الحبوب سيتأثر وبأن المرض لن ينحسر إلاّ بتحسّن الظروف الجوية!
وكما نعرف أن الجوّ استمر حارا ومغبرا أكثر من أسبوع بعد كلام "المدير المسؤول"!
والأكثر خطورة في كلام مدير الوقاية قوله أن الصدأ لايمكن معالجته بالمبيدات وأن مجرد توفر الحرارة ليلا يكفي لانتشاره بصورة وبائية!
وبدلا أن توجه وزارة الزراعة إعلانا تلفزيونيا يبث في أوقات ذروة المشاهدة وبشكل متكرر لإرشاد المزارعين فإنها تجاهلت الموضوع على أمل ان "يبرد الجو" وتختفي الافة من "تلقاء نفسها"!
وعندما خاب أمل الوزارة اضطرت لبث نصيحة يتيمة على الشريط الإخباري للتلفزيون .. ولكن بعد أن حصد الصدأ بنوعيه الأصفر والبرتقالي أكثر من 50 % من حقول الأقماح الطرية والقاسية!
المشكلة أن الجو الحار والمغبرّ المناسب لانتشار الوباء استمر أكثر من أسبوع ،وهذا يعني أن لاأحد غير وزارة الزراعة يعرف حجم الكارثة التي لحقت بموسم القمح ، وهي كارثة تقدر قيمة أضرارها بالمليارات بالإضافة إلى تراجع الإنتاج للعام الثالث على التوالي!
كل مافعلته وزارة الزراعة حتى الآن، بالإضافة إلى نصيحتها التلفزيونية الموجزة،تشكيل لجان فرعية في المحافظات السورية لحصر الإصابات وأخذ العينات لفحصها وتحديد نوع وسلالة المرض..وكأنّ الصدأ أفة جديدة على سورية لم يفتك بأقماحها من قبل!
وحتى النصيحة التلفزيونية توحي وكأنّ موسم القمح بخير فهي تقول حرفيا:"نظرا للظروف الجوية المتقلبة التي أدت إلى حدوث إجهاد على محصول القمح وإصابة بعض أصنافه بمرض الصدأ الأصفر تنصح وزارة الزراعة الأخوة المزارعين بتنظيم فترات الري الرذاذي وإجرائه قبيل الظهر والإبتعاد عن استخدام الرشّ الكيميائي"
برأي الوزارة إن ماحصل ليس أكثر من "إجهاد على محصول القمح" أدى إلى إصابة "بعض" أصنافه فقط بمرض الصدأ الأصفر فهي كما يبدو تنفي وجود مرض الصدأ البرتقالي!
وتستخدم وزارة الزراعة بذكاء كلمة "بعض" للإيحاء أن لاكارثة ولاوباء إجتاح محصول القمح،والكلمة صحيحة،فالصدأ أصاب بعض اصناف قمح شام وهي 10 و 8 و6 و4 ..ولكن مالم تقله الوزارة رسميا سبق وقاله مدير الوقاية فيها لجريدة الثورة بأن نسبة الإصابة تجاوزت 50 %!
ونكتشف بسهولة أيضا أن نصيحة وزارة الزراعة تقتصر على حقول القمح التي تروى بالرذاذ ..وكأنه إعتراف ضمني بأن المساحات التي أصيبت غير قابلة للشفاء وبأن الأمل معقود على المروي بالرذاذ علما إن إجمالي المساحة المروية بالرذاذ بلغت 162 ألف كتار عام 2008 مقابل 1.355 مليون هكتار مروية من الأنهار واليانبيع ومياه السدود!
ويبقى سؤال مهم:هل تنتهي مشكلة مرض الصدأ مع نهاية الحصاد؟
مدير الوقاية في وزارة الزراعة يكشف بشفافية أنه يجب في المواسم القادمة استخدام أصناف مقاومة، والأهم عدم تكرار زراعة القمح في أماكن إنتشار الإصابة..
نسأل وزارة الزراعة:إذا كان الصدأ أصاب بعض الحقول بنسبة 70 % وأخرى 50 % وثالثة مابين النسبتين فأين هي الأراضي البديلة المتاحة أمام الفلاحين لزراعة القمح في عام 2011؟
يبدو أننا سنشهد المزيد من "مواسم قمح" ضئيلة المردود في القادم من السنوات!
