سيريانديز-مكتب اللاذقية -رشا ريّا
لم يعد بالإمكان التستر على سوء الوضع الإقتصادي المتردي للمواطن السوري ، والذي بات يشكل أهم عامل ضاغط على معيشته , وما عادت الرفاهية كلمةً واردةً في قواميس السوريين اليومية, فالشغل الشاغل للمواطن هو كيف يسدُّ رمق عياله فقط , وهذا القول ليس درامياً أو تراجيدياً, كل ما في الأمر أنَّ هذه حقيقة مرّة بات يجب الإعتراف بها, حيث لا حديث للشارع السوري و "اللادقاني خاصةً" إلّا حديث الدولار ولو نطقها البعض (الدورار), فالكل باتت له خبرته الخاصة في البورصة وسوق العملات, حتى أنَّ (الفجل) بات يؤجل يوم نضوجه إلى يوم يكون فيه الدولار طالعاً على حدّ التعبير الدارج.
سأصبح وزيراً !
يستيقظ مصطفى الصغير صباح كلّ يوم, لا يستجدي صدقةً أو معونةً من أحد, يرفع يديه مناجياً السماء لإعالته وإعالة والده, ومع حبّه وتمسكه بالمدرسة والعلم إلّا أنه اضُطر لمغادرتها بسبب مرض والده وارتفاع تكاليف علاجه, فأضحى الطفل رجلاً يحمل على عاتقه ما يعجز عنه الرجال, مصطفى الواثق بأن والده سيشفى وسيعود هو إلى المدرسة يعملُ الآن كبائع للخضار , و يسترجع بين زبون وآخر أياماً كان فيها الأول في المدرسة هكذا عهد نفسه وهكذا سيعود ليحقق حلمه بأن يصبح وزيراً وحينها لن يسمح بوجود أيّ طفل خارج المدرسة على حدّ تعبيره.
اذا ما تحدثت مع مصطفى ستعي تماماً أنه مثال يؤكد أنَّ الأطفال اليوم يتحدثون بوعي وفهم مطلق لسعر صرف الدولار كما الكبار, فهم لم يسلموا لا مادياً ولا نفسياً من الحرب وتأثيراتها.
الدهب يا حبيبي بضلوا دهب
يقارب سعر الدهب في هذه الأيام 23000 للغرام الواحد من عيار 21 قيراط, وأصبح الذهب حرفياً حلماً لمعظم أفراد الشعب, باستثناء الطبقة المستفيدة أساساً من الحالة الإقتصادية الناتجة عن الحرب.
بعض الفتيات يدعين كرههن له, كي لا يصبح الزواج بمن يحببن حلماً بعيد المنال , عادت موضة إرتداء الفضة ولو أنَّ هذا المعدن هو الآخر لم يعد بالإمكان وصفه بالرخيص, فكل قفزة لسعر الذهب تقابلها قفزة في سعر الفضة أيضاً, بعض الشباب العازم على الإرتباط ولو أنهم باتوا قلةً عمدوا على خلق حالةٍ رومانسية من هكذا وضع مزرٍ, منهم من إرتدى في يوم خطبته محابس يقارب عمرها نصف قرن وتعود ملكيتها لجديه الراحلين, وآخرون عمدوا لاستخدام (التاتو ) أو الوشم وأكسبوا هذه الحالة عمقاً من نوع خاص فإذا ما تعرض زوجان يوماً لضائقة مادية كانت آخر الحلول تكمن في بيع خواتم الزواج, أمّا في هذه الحالة فلا مجال لا للبيع ولا للشراء.
خطة خمسيّة
"في السابق وإذا ما أحرج أحدهم واضطر لتلبية دعوة الأصدقاء للخروج, يتفقد في الطريق محفظته ويتنهد مطمئناً كونه يملك سعر فنجان قهوة وأجرة طريق يكفي لركوب باص النقل الداخلي, أمّا اليوم ففنجان قهوة من أحد (الكولبات) يقتضي دراسةً اقتصادية شاملة لمصاريف الشهر كله, صدّق أو لا تصدق قد يكسر فنجان قهوة واحد يأتي على حين غرّة ميزانية المواطن السوري", هكذا تحدث أحد الشبان لسيريانديز منفعلاً, و تابع : بالأمس علّق أحد أصدقائي قائلا بأنه لا داعي لكي نتابع أسعار صرف الدولار, فسندويشة (همبرغر) أو (كريسبي) في أحد محلات الوجبات السريعة المعروفة في اللاذقية تبلغ قيمتها دولار واحد دائماً, الدولار اليوم ستمئة ليرة سورية اذاً السندويشة ستمئة وإذا ما وصل للألف ليرة سورية فسعر السندويشة سيكون: ؟؟.
منذ ما يقارب الثلاثين عام مرّت على البلاد ضائقة كهذه والفارق الوحيد ربما أنَّ الزمن ذاك لم تكن تجتاحه حُمّى الإعلام, فُقدت علب المحارم الورقية, الموز, وكثير من الحاجيات لكن سوريا تجاوزت هذا كلّه وخلال عقد التسعينات كانت قد استطاعت ترميم اقتصادها, والنهوض به ولو بشكل متواضع, فهل ستعود هذه المرة أيضاً؟ لا يستطيع السوريون إلّا أن يؤمنوا بأسطورة طائر الفينيق, فالتاريخ يفرض عليهم الأمل.