أيمن قحف
منذ أيام تلقيت دعوة مشكورة لحضور جلسة نوعية للمجلس الأعلى للاستثمار كانت هذه الفرصة الأولى لي لحضور المجلس الأعلى للاستثمار بعد غياب لعدة سنوات كون الحكومات الماضية لم تعطِ الفرصة للصحفيين لحضور النقاشات ولتكون على قرب بما تفكر به الحكومة في هذا المجال الحيوي، بكل الأحوال الجلسة كانت مخصصة لمناقشة أولية لمشروع قانون الاستثمار الجديد أو ما يشبه جلسة عصف فكري مبنية على مسودة أعدتها لجنة متخصصة في رئاسة مجلس الوزراء وهيئة الاستثمار السورية .
عرضت هيئة الاستثمار السورية مشروعها وبدا لي من الجلسة الأولى أن عدد كبير من الوزراء والمعنين فوجئوا بهذا المشروع وكأنهم لم يطّلعوا عليه من قبل وتلقى المشروع انتقادات كبيرة جداً لدرجة أن بعض الحضور نسفوا الأساس الذي بُني عليه هذا المشروع.
قمت بالاستماع للجميع وعندما أتاح لي السيد رئيس الحكومة الفرصة لإبداء الرأي قلت الآتي : أولاً اشتقت لهذا المجلس الكريم الذي حضرت أولى جلساته منذ 26 عاماً في عام 1992 وبقيت ضيفاً دائماً على طاولته لمدة تقارب 15 عاماً تابعت فيها معظم الملفات الكبرى التي ناقشها هذا المجلس .
وتابعت : إن الكثير من الأسئلة والنقاشات والاستفسارات التي سمعتها من السادة الحضور توجد لها أجوبة في محاضر اجتماع المجلس الأعلى للاستثمار القديمة ، لقد مرت عليّ هذه النقاشات والأسئلة من قبل فإذا عُدنا إلى الجلسات القديمة سنجد أجوبة تراكمية وسنجد إرثاً لايستهان به يساعد المجلس الحالي على صياغة الكثير من التوجهات المستقبلية، واقترحت على السيد رئيس مجلس الوزراء أن يكلف هيئة الاستثمار السورية بالعودة إلى محاضر اجتماعات المجلس القديمة ودراستها جيداً وتوزيع خلاصاتها على السادة أعضاء المجلس كي لانعيد اختراع الدولاب مرة أُخرى.
طرحت أسئلة من قبيل كيف سنفكر بالاستثمار دون أن نربطه مثلاً بالمناطق الحرة وهي أيضاً استثمار له خصوصيته ، كيف يمكن أن نفكر به دون أن نربطه بقانون التشاركية وهو قانون الاستثمار الهام جداً ، فلا بد أن يكون جزءاً من الصورة ، أيضاً ذكّرت بقانون الشركات الصادر عام 2012 فيه مادة على غاية من الأهمية يمكن أن تجيب على الكثير من أسئلة السيد وزير الصناعة ، وهي تتعلق بالسماح بطرح جزء من شركات القطاع العام _ وهذا يخص بالدرجة الأولى الشركات المتعثرة الصناعية وغيرها _ للاكتتاب العام أي بما يعني تسييل رؤوس الأموال وبالتالي حصد استثمارات كبيرة جداً في هذا المجال كونه استثمار مغرٍ ومضمون فهذا لايمكن إلا أن نفكر به .
الأكثر أهمية وهو ماركّزت عليه خلال الجلسة هو أنه علينا أن نحدد دور وهوية هيئة الاستثمار السورية هل هي وكالة لترويج الاستثمار أم هي الوجه الحكومي التنفيذي في قطاع الاستثمار أي أنها تأخذ طلبات وتدرس وتقرر .. الخ كنافذة واحدة للاستثمار ، وهو دور بيروقراطي بالتأكيد . بالنسبة لي أفضل أن تكون وكالة لترويج الاستثمار وأن يكون قانون الاستثمار مثله مثل قانون العقود و القانون الأساسي للعاملين في الدولة ، أي قانون تنفذه جميع الجهات وفق مهامها ، فمثلاً وزارة السياحة وزارة عريقة تعمل في مجال الاستثمار لاتحتاج أحد ليساعدها فقط هناك قانون تنفذه هي بخبراتها وقدراتها وإمكاناتها وكوادرها وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة الصناعة ووزارة الاقتصاد وغيرها من الوزارات تطبق القانون ضمن فريقها الموجود فعلاً فريق ذو خبرة وفريق عريق ولها مكاتبها وإدارتها الخاصة أي لاداعي لحلقة بيروقراطية جديدة ، تطبيق القانون على الجميع .
تبدو لي نوايا الحكومة لتشجيع قانون الاستثمار نوايا طيبة وصحيحة وسليمة ولكن هناك تعدّد في الرؤى وهناك عدم وضوح لدى البعض وهناك آراء مختلفة تصل في بعض الأحيان إلى حد التناقض وصولاً إلى الهدف الواحد ، ولكن الزمن لايرحم والمشكلة أننا لانستعين بالخبراء سواءً من الداخل أو الخارج لتحديد هوية الاستثمار وآلياته وقوانينه ، وماذا نريد من الاستثمار ؟ وهل سنفتح الباب للاستثمار في البلد ؟ ولا أعتقد أنه من المفيد الحديث ضمن قوانين عن تحالفات سياسية والتوجه شرقاً و أن نعطي الأصدقاء، فالقانون قانون ويجب أن يشمل الجميع ولاندري قد يكون عدو اليوم صديق الغد ، فإن لم تفلح الاستثمارات الموعودة من الأصدقاء في روسيا وإيران والصين فهل سنغلق الباب على الاستثمار الخارجي؟ كيف سنفكر بالمغتربين أيضاً ، كيف سيساهمون؟ إنها أسئلة كثيرة لابد أن نجيب عنها ولايكفي أن ننغلق على مجموعة قليلة لتقرر أهم ملف ألا وهو ملف قانون الاستثمار .