كتب أيمن قحف:
من يدقق في المشهد العام هذه الأيام فسيشعر بأعراض الشيزوفرينيا، فنحن أمام صورتين متناقضتين في معادلة الحكومة والشعب؛ من يتابع اجتماعات "ومانشيتات" الإعلام وبيانات الحكومة الصحفية وتصريحات وجولات المسؤولين، سيجد أننا -بناءً على ما تنشره الحكومة- أمام أفضل أداء حكومي في تاريخ هذا البلد، والسؤال البسيط "كيف سينعكس أداء الحكومة الجيد على الشعب، بل ما قيمته أصلاً إذا لم يصل إلى الشعب؟!
في المشهد الآخر تكاد الأمور تصل إلى مستويات من التردي والشكوى والتعب لدى المواطن لم تحصل من قبل. وفي عز الأزمات والحروب والحصار لم تكن الضغوط بهذا الحجم!
من نصدق؟!
هل المطلوب من الإعلام الوطني اليوم أن يتبنى رواية الحكومة المتفائلة ويقنع الجائع أن لا يجوع والمريض أنه ليس مريضاً والبردان أن الطقس دافئ؟!
لن ندخل في لغة التشاؤم، فواجبنا الأول أن نعطي فسحة من الأمل للناس، ونحن على الدوام متفائلون بهذا البلد الذي صمد وانتصر على كل المصاعب عبر آلاف السنوات.
لدينا شعبٌ يُعتمد عليه حتى لو خسر مئات الآلاف في معارك الهجرة والنزوح. لدينا موارد تكفي لأضعاف سكان سورية فيما لو أديرت بالطريقة الصحيحة.
مشكلة البلد الآن هي مشكلة إدارة، ولا سيما إدارة الموارد البشرية والموارد الطبيعية.
حيثما تلفتنا نجد مسؤولين ضعفاء ومرتبكين، سلاحهم "الواسطة" أو الفساد أو معايير الولاء والترشيحات غير المنطقية.
لم نستطع التنقيب عن رجالات يقودون المرحلة في الاقتصاد والخدمات وبقية القطاعات.. هم موجودون بلا شك، ولكن بعضهم لا يرغبون، والبعض لم يسمع بهم أحد!.. لقد اكتفينا بمن يبحث عن المناصب ومن يعمل لأجلها، ونحن نعلم أن الحكمة القديمة تقول: "طالب الولاية لا يولى"!، هل يدلنا أحدكم على عشرة أشخاص في المناصب لم يطلبوا الولاية؟!.
علينا أن نقول الحقيقة في هذا التوقيت بالذات: هذا الشعب وهذا الجيش الصامد وهذا البلد العظيم يستحقون اليوم حكومة أفضل وأقوى وصاحبة أفق أوسع وجرأة أكبر، لا تطغى عليهم صفات الضعف وعقليات الموظفين والخوف من الأشخاص بدل الخوف على الوطن والشعب والقانون.
نعلم أن في الحكومة الحالية شخصيات جديرة بالمنصب، وترفع لهم القبعة، ومعظمهم ينجزون بصمت دون عراضات إعلامية. ولكن المشهد العام يجعلنا غير مطمئنين من أن الحكومة الحالية قادرة على فعل الكثير لأجل هذا الشعب في معيشته وكرامته واقتصاد البلد، وعلى القائمين على الشأن الاقتصادي والإصلاح الإداري أن يعترفوا بأنهم أفرغوا ما في جعبتهم، ولن ينجحوا مهما طال الزمن لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
• هامش أخير: يستطيع أي مسؤول في الحكومة اليوم أن يعيد لك عن ظهر قلب كلمة السيد رئيس الجمهورية خلال لقائه أعضاء مجالس الإدارة المحلية، ولكن ليقل لنا كل منهم ماذا فعل على أرض الواقع لتنفيذ التوجيهات باستثناء الكلام والورقيات!!.