حسن النابلسي
لم يأتِ اقتراح إحدى الدراسات الصادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة تأسيس مجلسٍ أعلى للدعم الزراعي من فراغ، إذ أن ثمة مسوغاتٌ دفعت بهذا الاتجاه يتصدرها أن الدعم الزراعي يشوه آلية السوق وانسيابية التجارة، لاسيما وأن الأثر التشويهي لسياسات الدعم يأتي حسب الحوافز الاقتصادية التي تتمخض عنها إجراءات وكمية الدعم المقدم، خاصةً إذا كانت هذه الحوافز تشجع على الاتكال على الدولة في العملية الإنتاجية وتحديداً تأمين المدخلات وتصريف المنتجات، فهذا الدعم لا أفق له وهو بحاجةٍ إلى تعديل وتطوير.
يجبُ أن تصبَ في خدمةِ التنمية
أما إذا كانت هذه الحوافز تصب في خدمة التنمية الزراعية والريفية وتعزيز وتطوير القطاع على المدى الطويل فهذا الدعم إيجابيٌّ ويجب متابعته، وأشارت الدراسة التي حملت عنوان "الوضع الراهن للدعم الزراعي في سورية ورسم خطوطٍ ومساراتٍ استراتيجية لإصلاحه"، إلى أن يترأس وزير الزراعة هذا المجلس، وبمشاركة كافة الجهات المعنية بالدعم لاسيما وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ممثلة بهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، وهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافةً إلى مشاركة وزارات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والإدارة المحلية والبيئة، والكهرباء، والنفط، على أن يقوم المجلس برسم السياسة العامة للدعم وتنسيق وتوزيع العمل بين الجهات المختلفة.
غيرُ مدروسٍ!
واقترحت الدراسة عدداً من المبادئ لإصلاح الدعم تتمثل بتوحيد إدارة الدعم في جهة واحدة، وألا يفيد الدعم كبار الملاكين على حساب صغار المنتجين "مثلاً قبل الأزمة كان 8% من مزارعي القطن الأكثر غنى يتلقون 41% من دعم القطن"، وألا يشجع الدعم على استهلاك المزيد من المياه سواءً من خلال تشجيعٍ غير مدروس للمحاصيل المتطلبة للمياه، أو من خلال تشجيعٍ غير مدروس للتوسع في الزراعات المروية، وبالتالي يجب ألا يعاقب المزارعين من النمط البعلي لمصلحة المزارعين من النمط المروي. كما ويجب على الدعم ألا يشجع على استهلاك المزيد من الوقود ويجب التفكير بتشجيع المحاصيل الأقل استخداماً للوقود. وعلى الدعم أن يشجع على الاستفادة من الميّزة التنافسية للسلع الزراعية التي تحظى بتلك الميّزة "الخضار والفواكه" وكذلك دعم السلع التي تحظى فيها سورية بميّزة نسبية. إضافةً إلى ضرورة أن يراعي الدعم وبشكلٍ واضحٍ تشجيع تنويع الزراعات والمنتجات والأنشطة الزراعية، إلى جانب تغيير إستراتيجية الدعم، بحيث يتوقف عن تشجيع المحاصيل غير التنافسية ذات المساهمة الضمنية بالنمو من المستويات المنخفضة "أي يجب النظر إلى مقدار المساهمة الضمنية لكل محصول بالنمو الاقتصادي"، وبالمقابل يجب عدم تهميش الزراعات غير الإستراتيجية التي تمتلك مساهمة ضمنية بالنمو أكبر من تلك التي تمتلكها محاصيل أخرى مدعومة، وهذا يعني بعبارةٍ أخرى ضرورة عدم معاقبة مزارعي المحاصيل غير الإستراتيجية لمصلحة مزارعي المحاصيل الإستراتيجية.
تدريجياً
وبموجبِ الدراسة لابدَّ من العمل على المدى البعيد للانتقال من الدعم المباشر إلى التأمين على المحاصيل، خاصةً التأمين الذي يتم تفعيله عندما تنخفض أسعار المنتجات الزراعية دون التكلفة، بالتوازي مع زيادة تركيز الدعم في مجال خدمة الاستثمار، ولاسيما في مجال البنى التحتية والتسويق والإرشاد والميكنة، والتصنيع الزراعي، والطاقات البديلة والنظيفة بدلاً من دعم الوقود، لأن دعم المدخلات يضغط الاستثمارات الزراعية، بينما دعم الاستثمارات يمكن أن يأتي بالمدخلات بتكاليفٍ أقل، لكن من الضرورة أن يتم هذا التحول بشكلٍ تدريجيٍّ وغير حاد. إلى جانب رقمنة الأراضي لتحديد من يجب أن يستفيدوا من الدعم، بمعنى تحديد كافة خصائصها الطبيعية وما يناسبها من زراعاتٍ من خلال بنك معلومات قبل للدخول والاستفادة، وإسناد الخطة الزراعية إليها. كما أنه من المهم -ووفق الدراسة – التخلي عن بعض مبادئ التخطيط الحالي الكلاسيكية والقديمة التي لا تتناسب مع النظرية الاقتصادية، على أن يتم تحقيق ما سبق من خلال إنشاء كيانٍ إداريٍّ موسع يتولى إدارة وتحديد سياسات الدعم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن يتناسب حجم الدعم طرداً مع تطبيق الدورات الزراعية والنظم المتكاملة كنظام المكافحة المتكاملة ونظم الإنتاج النباتي – الحيواني المتكاملة.
أكثرُ صرامةً
ومن المقترحات الواردة بالدراسة أيضاً إصلاح استئناف دعم الري الحديث على أسسٍ جديدة أكثر صرامة، وإلغاء مبدأ القرض طويل الأجل بضمانة الأرض، والاستفادة من تجربة الصين بالرّي بالخاصية الشعرية والتي هي أكثر كفاءة من الرّي بالرذاذ، وحتى من الري بالتنقيط أيضاً، وتشجيع الاستثمارات في صناعة الأسمدة المنتجة محلياً، وبالتالي نزول الحاجة فعلياً إلى دعم الأسمدة، وتوسيع سياسة دعم الأعلاف لتشمل دعم المحاصيل العلفية كالشعير والصويا والبيقية والدخن ..إلخ، بالإضافة إلى تقديم الأعلاف المدعومة للمربّين، وتخفيف ودعم المحاصيل المستهلكة للمياه بدرجةٍ كبيرة في بلدٍ يعاني من الجفاف وشح المياه وكذلك تخفيض وإلغاء دعم المحاصيل غير المجدية اقتصادياً أو ذات الجدوى الضعيفة.
حلولٌ قابلةٌ للتطبيقِ
ومن المقترحات المتعلقة بأدوات الدعم "حوافزٌ ومكافآت"، تقديم مساعداتٍ فنية ومالية للتحول نحو الطاقة النظيفة قدر الإمكان، وتوسيع التجربة على المدى المتوسط والبعيد، وتخصيص مكافآت للبحث العلمي الذي ينجح بإنتاج أصناف القمح والمحاصيل الأخرى الملائمة للبيئات السورية، وتشجيع البحث العلمي على التوسع بالمكافحة الحيوية وتخصيص مكافآت للباحثين الذين يقدمون حلولاً قابلة للتطبيق في مجال المكافحة المتكاملة، وتقديم مكافآت لكل مربٍّ يتمكن من إنتاج علف قطيعه بنفسه، مع تشجيع توسيع زراعة المحاصيل العلفية الذرة وفول الصويا والبيقية من خلال تقديم مكافأة إنتاج لمنتجي هذه المحاصيل الهامة كأعلافٍ لقطاع الإنتاج الحيواني.
استدامةٌ ولكن
وركزت الدراسة على مسألة استدامة الدعم وذلك من خلال الاستمرار بمنح الدعم استناداً إلى المساحات المزروعة وليس المرخصة أو المخططة مع تثقيفٍ يمنع الاستفادة المفرطة، إضافةً إلى إعادة دعم الأسمدة الكيميائية في الوقت الحالي والاستمرار بدعم بذار القمح وتطوير أصناف قمح جديدة تلائم البيئات السورية والاستمرار بسياسة دعم الأعلاف وتعزيزها، مع الاستمرار بتوفير خدمة المكافحة العامة والخدمات البيطرية، وكذلك الاستمرار بدعم زراعة القطن العضوي والقطن الملون.