كتب أيمن قحف
تربطني صداقة قديمة وجميلة بالمهندس عادل العلبي منذ كنا في صحيفة البعث،كنت أنا محرراً مشاغباً وكان هو مهندساً طموحاً ومميزاً..
حققت بعض النجاح في العمل،وأصبح عادل مديراً للمطابع وأدى عملاً رائعاً في ظروف صعبة من قلة الموارد وقدم الآلات..
منذ سنوات أصبح المهندس عادل عضواً في مجلس محافظة دمشق وهو أمر يليق به كونه من شباب دمشق المحبوبين ومن عائلة دمشقية مرموقة..
لم تمض فترة طويلة حتى أصبح نائباً لمحافظ دمشق،وحافظ على جميع صفاته البسيطة المتواضعة ونذر كامل وقته لخدمة دمشق وأهلها وساكنيها..
لم تذهب خدماته ومحبته للناس عبثاً،فقد تم انتخابه-بأعلى عدد من الأصوات عضواً في مجلس المحافظة بعد قانون الإدارة المحلية الجديد ولم يفاجأ أحد بانتخابه كأول رئيس لمجلس المحافظة-في السابق كان المحافظ هو رئيس المجلس-!
تسألون:ما مناسبة الحديث؟!
بالأمس زرت صديقي المهندس عادل في مكتبه،استقبلني بالحفاوة المعهودة،كان هناك بعض الضيوف والمراجعين الذين يعالج قضاياهم كالمعتاد..
على طاولة الاجتماعات في الطرف المقابل لمكتبه كان يجلس رجل يتحدث على الهاتف بلهجة أبناء المنطقة الشرقية،ظننته ضيفاً ،أو أن هناك اجتماعاً قطعه المهندس عادل ليستقبلني أنا والمراجعين!!
جلست قرابة الساعة،الرجل مقابلي في الجهة الأخرى يتصل بالهاتف الأرضي والمحمول،يقرأ بعض الأوراق ،وفي النهاية دخل رجل آخر-يبدو أنه ضيفه-وجلس معه على طاولته!!
لا شيء يوحي بأنه"مجرد ضيف"!!
ودعت صديقي على أمل لقاء آخر مساء في أحد المطاعم،و هناك سألته-بحضور صديق آخر-من الرجل الذي كان في مكتبك اليوم؟
أجاب:هو زميلي رئيس مجلس محافظة الرقة..
-
يبدو أنه كان ضيفك بالأمس؟
** لا هو مقيم في مكتبي منذ أشهر!!!!
** ينجز أعماله المتعلقة بمنصبه من هنا،قدم له السيد وزير الإدارة المحلية مكتباً في الوزارة لكنه-لأسباب تخصه-أراد أن يبقى هنا فاستضفته في مكتبي!!
-
كيف تتحمل الأمر،ألا يخترق ذلك خصوصية العمل؟!
**أخبرتك هو زميلي ورئيس مجلس مثلي قادم من محافظة خارج السيطرة ويتابع شؤون أهلنا هناك من دمشق،وهو صديقي أيضاً..رجل فقد بيته ومكتبه وكل شيء ويريد أن يواصل مهمته ألا يستحق أن اساعده ولو بتأمين مكان لائق يعمل فيه؟!!أنا لا أملك المكتب هو مكتب للدولة أخدم منه المواطنين وهو يفعل الأمر عينه!!
ما بين دهشة صديقي –الذي قدم وجهة نظر منطقية إدارية وأفكاراً بديلة لحل المشكلة-وحديث المهندس عادل عن الأمر والتزامه الصادق باستضافة الرجل ،شردت متأملاً بعمق هذه الحالة..
سورية صمدت بشكل أسطوري لأن السوريين الحقيقيين رائعون ويحبون بلدهم..
عادل العلبي سوري جميل مدهش،اقتسم مكتبه مع زميل قادم من الرقة الغالية.
ربما سيفاجأ بما كتبته لأنه كان بالنسبة له(مجرد حديث عابر عن سلوك اعتيادي)..لكنني بقيت منذ الأمس في حالة التأمل..بل والأمل..الرقة ستعود بكاملها لحضن الدولة ولأهلها الطيبين..لأن المؤسسات باقية،أرادت الدولة أن تبقى مؤسسات الرقة تعمل،وأن يستلم الموظفون رواتبهم..وكل مافعله المواطن النبيل عادل العلبي أن تقاسم مكتبه مع رأس الهرم الذي يمثل محافظ الرقة لتبقى الرقة باقية في هيكلية الإدارة وفي القلوب!