سيريانديز- كوثر علي
أشياؤهُ المركونة على ذلك الكرسي في المعرض تشعرك بقدسيَّة المشهد حيث وضعَ الرفاق صورتَه ليكونَ حاضراً في حضرةِ الغياب, محاطةً ببذلته العسكرية التي حِيكَت للأطهار دون سواهم, وسيجارته الخامدة التي أُنهكَ دُخانُها الأعداءَ ذات يوم, لوهلةٍ وأنت تحدِّقُ بصورتهِ تشعر بأن الله هنا, تّشعُر بحلاوةِ الإيمان الذي ما فارقَ صاحبَ الصُّورة فهاهو قرآنُه الصَّغير الذي كان ملازماً لجيب بذلتِهِ يحكي كيفَ أنّ الله يُعِزُّ من رجالهِ المؤمنين.
الشهيد محمود محمد عمران من مؤسسي فريق صامدون رغم الجراح ومن الجرحى المصابين عاد لعمله في ساحات القتال وتعرض لإصابة ٍ أُخرى أثناء تأدية واجبة الوطني ليعود في المرة الثالثة شهيداً فأرادَ رفاقهُ الجرحى تكريمَه بجلبِ أغراضِهِ إلى معرض الأشغال اليدوية الذي كان ينتظرُ إقامته ويحضَّرُ له مع أفرادِ الجمعيّة.
اجتمع فريق جمعية صامدون رغم الجراح من جرحى الجيش العربي السوري والدفاع الوطني وضحايا الإرهاب في معرض الأشغال اليدوية الذي تضمن لوحات زيتيه ومنحوتات خشبية وقطع عسكرية خشبية و صمديات من صنع جرحى الجمعية وأقيم في فندق الداماروز بدمشق برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة السياحة.
العقيد ياسر الشاويش من مؤسسي فريق صامدون تحدث لسيريانديز قائلاً " بعد إصابتي الأولى بطلقة قنَّاص في محافظة حمص عُدتُ لمُتابعة واجبي الوطني في منطقة باب هود, وهُناك كانت إصَابتي الثّانية جرَّاءَ تفجيرِ عبوةٍ ناسفةٍ زَرَعها الإرهابيُّونَ في المكان, وأدَّت الإصابة إلى بتر قدمي اليمنى وأَلحَقَت أَذِيَّة عصبِيَّة باليد اليمنى,ونحن في فريق صامدون رغم الجراح كوكبة من جرحى الأحداث الذين أصيبوا إصابات دائمة ولم يعد بالإمكان العودة إلى ساحات المعارك, ولكن استطعنا الاستمرار وتابعنا العمل مع بعضنا لتأمين ما ينقص غيرنا من جرحى من أدوية ومستلزمات علاج, كانت في البداية بتمويل ذاتي إلى أن بدأنا بفكرة المشغل وبدأ الجرحى العمل في مَحَال صغيرة لتغطية نفقات الجرحى الآخرين وشراء الأدوية والمعدات لهم من خلال بيع الأشغال اليدوية, وكان أول معرض في محافظة حمص وأردنا تعميم المبادرة على جميع المحافظات فأقمنا المعرض بدمشق, لأننا بحالة حرب وواجب علينا جميعاً تقديم ما نستطيع لتستمر الحياة مهما كان الجرح لن نستسلم ونثق كل الثقة بأن النصر قريب"
جريحٌ فيها يداوي جُرحَ رفيقِهِ الجَريح فمحالٌ لبلدٍ أَنجَبَت أبطالاً أن تعرف الاستسلام, هكذا بدأ الجريح عبد الكريم محمد حديثهُ وهو المشرف الطّبي بالجمعية " أصبتُ أثناء اشتباك مع مجموعة إرهابية, مما منعني من متابعة واجبي الميداني كجندي على جبهات القتال, في ساحة المعركة أُصيب العديد من رفاق السلاح فجمعتنا الجراح جميعاً, وكانت دافعاً للاستمرار وتقديم المساعدة لغيرنا من الجرحى, بدأنا بعمل متواضِع تمثَّل بزيارة غيرنا من الجَّرحى وتقديم مساعدات بسيطة لهُم, من خلال تبرعات نَجمعها منا نحن, إلى أن كبرت المجموعة وكبر عدد الجرحى وأصبحت الاحتياجات كثيرة, هنا بدأنا بعمل الأشغال اليدوية لنوجه رسالة لكل شخص لا يمارس عملاً بأننا مصابون وبإمكانات مادية محدودة جداً استطعنا أن ننجز ونقدم شيء, فكل مكان ساحة معركة وعلينا جميعاً من مؤسسات وجمعيات وأفراد أن نقف يداً بيد ونتكاتف لمساعدة بعضنا على تجاوز الأزمة التي تتعرض لها بلادنا"
مدير المكتب الإعلامي في جمعية صامدون علي صالح أشار لسيريانديز عقب انتهاء المعرض إلى الاهتمام الكبير بالمعرض من قبل الجمعيات والفرق, وأن الجمعيّة تسعى لإقامة مشغل يوفِّر كل ما يحتاجهُ الجرحى للعمل اليدوي, حتى يتمكنوا من العمل بهِ لأنهم حالياً يصنعون هذه المشغولات في محال بسيطة, كما تعمل الجمعية لإقامة دورات تدريبية على الأشغال اليدوية لزوجات الجرحى و دورات تدريبية بالتمنية البشرية والدعم النفسي.
يذكر أن جمعية صامدون رغم الجراح تأسست عام 2013م في محافظة حمص وضمت مجموعة من جرحى الجيش العربي السوري والأحداث وتتكون من مكتب الأشغال اليدوية يقوم بصنع أشغال يدوية فنية من عمل الجرحى ويقوم بدورات تدريبية لذويهم, والمكتب الطبي الذي يشمل ثلاث فرق (التمريض-وفريق أمهات الجرحى-وفريق الدعم النفسي), والمكتب التربوي لرعاية أبناء الجرحى تعليمياً وترفيهياً.
وكان المعرض الفني الأول للجمعية في المركز الثقافي بحمص, والثاني في جامعة البعث, أما الثالث في فندق الداماروز بدمشق حيث بدأ في الخامس عشر من الشهر الجاري واستمر لأربعة أيام.