سيريانديز -مكتب اللاذقية
أمل صارم ،غدير علي ، يسرى جنيدي، مهند نصرة .
سورية بوابة الحضارات ومفتاح الشرق وعقدة حكاياه المنسية على ضفاف الخلود ، أكثر من 60 قلعة متفاوتة من حيث حجمها وأهميتهاو بعدها التاريخي في سورية ، وتعد قلعة المرقب إحدى أهم القلاع المشادة في العصور الوسطى على الإطلاق ،ويعزى بناؤها للعرب المسلمين قبل أن يتتابع على حكمها البيزنطيون والعرب والفرنجة مجددا ، وتقع على بعد 5 كم شرق مدينة بانياس الساحل في محافظة طرطوس ، على تل صخري بركاني يبلغ ارتفاعه 365م عن سطح البحر، ما جعلها تحكم سيطرتها على ساحل البحر المتوسط لفترات زمنية طويلة ، ولا يصل المسافر بانياس حتى تظهر له بكامل هيبتها بامتدادها على مساحة كبيرة تصل حتى 16 هكتار، بأبراجها وأسوارها المهيبة ذات الصخورالبازلتية السوداء، وتتألف القلعة من أسوار ، وأبراج، وقاعات كقاعة الفرسان، والقاعة الملكية ، وباحات، وكنائس، ومساجد، ومحازن، واصطبلات، و لا يسعك أن تخفي دهشتك وأنت تستعرض الرسومات الجدارية الشهيرة للجنة والنارفي كنيسة القلعة على جدارين متقابلين، وهما قيد الترميم الآن ، ولعل اجتماع الكنيسة والجامع في مكان واحد في قلعة المرقب ماهو إلا رسالة سلام وأمان و عيش مشترك تبثها سورية الحضارات عبر الأزمان .
وجدارية الجنة والنار هي ليست هي الوحيدة التي تزين جدران الكنيسة الكبرى، ولكن حتى الغرف الصغيرة الداخلية التي كانت تستخدم لتخزين حاجيات الكنيسة، لم تخلُ من الرسومات والزخارف على جدرانها الضيقة ، أما أشهر أبراجها: فالبرج الرئيس ،و برج قلاوون، وبرج الصبي ويعد هذا الأخير مركزا متقدما للمراقبة، والدفاع عن القلعة، ويقع جنوب غرب بانياس ، و للقلعة سوران داخلي وخارجي يضم بين جنباته 6 هكتار، أما السفح المحيط بالقلعة فيعد جزءا من القلعة، وتبلغ مساحته حوالي 10 هكتارات
وحظيت قلعة المرقب بنصيب وافر من الإهتمام، ولازالت تستزيد من البعثات المتتالية للكشف، والتنقيب والدراسة محلية كانت أم أجنبية، و تبقى البعثة الهنغارية هي الأميز بينها، لطالما كانت العلاقات السورية الهنغارية الثقافية قوية جدا، فبين هنغاريا والمرقب تاريخ موغل في القدم يعود للعام 1227 م، عندما زار ملك هنغاريا أندرياس الثاني قلعة المرقب وخصها ب 100 مارك من الفضة سنويا لترميمها ، وتكمل شركة مول الهنغارية للنفط والطاقة ما بدأه أندرياس بتمويل البعثة من الجانب الهنغاري، إضافة إلى جامعة بيتر بازمان الكاثوليكية بالاتفاق مع جامعة دمشق، والمديرية العامة للآثار والمتاحف .
وتعمل البعثة الهنغارية السورية برئاسة المهندسين مروان حسن، وأدمون العجي، و10 أشخاص آخرين من الجانب السوري، ود. بالاج مايور من الجانب الهنغاري، يشاركة خبراء بالهندسة المعمارية، وعلم الآثار، و إدارة التراث، وحفظه، إضافة إلى حوالي 8 أشخاص آخرين بين آثاريين، ومرممي فخار، ومهندسين .
وقد أكد المهندس المشرف على القلعة مروان حسن لسريانديز: بدأ وجود البعثة يتبلور مع مشروع التحصينات الدفاعية في حوض البحر الأبيض المتوسط ، حيث تم بداية اختيار قلعة المرقب، ومن ثم تشكيل فريق عمل سوري بالتعاون مع المفوضية الأوربية ، مهمته دراسة كافة الجوانب التاريخية والمعمارية ، والطبوغرافية للقلعة دراسة موسعة ،و وضع تصور لمعالجة أكثر مباني القلعة تضررا من ناحية المشاكل الإنشائية ،وقد لاقى المشروع السوري استحسانا كبيرا من الجانب الأوربي، و أكد حسن أن المديرية العامة للآثار، والمتاحف قامت بالتنسيق مع الجانب الهنغاري الذي كان موجودا في طرطوس منذ عام 2000ليشكل هذا العام نقطة إنطلاق أعمال البعثة السورية الهنغارية .
صرح رئيس البعثة الهنغارية البروفسور . بالاج مايور لسيريانديز : إن عمل البعثة السورية الهنغارية المشتركة بدأ عام 2000، حيث عملنا بالمسح الآثاري في طرطوس واللاذقية وإدلب ،وهو ضمن اختصاصنا" التحصينات والقلاع في العصور الوسطى ".وكانت البداية الفعلية من 2006 بطلب من وزارة الثقافة بتأسيس بعثة هنغارية لدراسة شاملة لقلعة المرقب، وشهد العام 2007 أول عمل تنقيبي في قلعة المرقب، وقد توزع العمل على ثلاثة مواسم بين التنقيب والدراسة والتوثيق والمسح ، فشهران في الصيف للتنقيب، وفي الشتاء للتوثيق الهندسي والرسم ، وفي الربيع للتوثيق والمسح للمناطق الريفية المحيطة .
أما معوقات العمل على حد قول البروفسور مايور: فتكمن في أن معظم أعضاء البعثة الهنغارية غير متفرغين للعمل في القلعة فحسب، فهم موظفون وعليهم التنسيق بين العمل في هنغاريا وفي المرقب على التوازي.
وأضاف البرفسور مايور: استمر العمل على هذه الوتيرة ليبلغ أوجه عام 2011 حيث بلغ عدد أعضاء البعثة 45 شخصا بين خبير وطالب، وكانت النتائج رائعة، ثم توقفنا بعد 2011 بسبب الأعمال الإرهابية في سورية، ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها سورية جراء الإرهاب كنا في المرقب بأعداد قليلة وبشكل شخصي ،فالشعب السوري شعب طيب ومضياف واجتماعي وخاصة في الساحل ، لتستأنف البعثة أعمالها بشكل رسمي مع العام 2015 في ترميم القلعة، وإحيائها من جديد من أجل الإستثمار السياحي، فالقلعة كنزحقيقي ومصدر عمل لمئات العائلات السورية ،والقلعة جاهزة لإستقبال الزوار في 2016.
وقد أكد وزير الثقافة عصام خليل لسريانديز : على أهمية وضع القلاع، والمباني الأثرية موضع الاستثمار السياحي، ولعل البداية تكون من قلعة المرقب على حد قوله .
سيريانديز توقفت أمام أحد مخازن القلعة الذي يضم مئات الصناديق المليئة بشتى أنواع القطع الأثرية، وهي حصيلة عمليات تنقيب طويلة، لاتسطيع إلا أن تشعر بالرهبة من وقوفك أمام بقايا عظام بشرية وجماجم ، وبقايا حيوانات، إضافة لآلاف القطع الفخارية واللقى الأثرية، والتي هي قيد الدراسة والتوثيق ، وفي زاوية من المخزن عكف المعيد بجامعة حلب أحمد شحرور وهو مختص بالفخار الإسلامي على دراسة الفخار بشغف مؤكدا بدوره على أن ما يقوم به هو رسم الفخار وترميمه وتوثيقه، وتنبع أهمية عمله من كون الفخاريات المكتشفة والمرتبة وفق تصانيف محددة غير مدروسة على الإطلاق ، وتتنوع بين الفخار، والفخار المزجج ،والسيراميك المستورد من الصين، في الفترة العثمانية على وجه الخصوص .
وأكد د. بسام جاموس متفقا مع البروفسور مايور وم.حسن : أن القلعة ومايحيط بها من طبيعة وأوابد مناسبة جدا لتسجل على لائحة التراث العالمي، خاصة قد سبق ذلك تسجيل عدة مواقع أثرية سورية على لائحة التراث العالمي منها مدينة دمشق، وحلب، و تدمر، و بصرى، والمدن المنسية بين إدلب وحلب، وقلعة صلاح الدين، وقلعة الحصن، و قد تم تأجيل تسجيل موقع ماري، وصالحية الفرات بسبب الأزمة التي اجتاحت سورية لأكثر من 5 سنوات ، وتتظافرجهود الجميع في المرحلة القادمة لتسجيل قلعة المرقب على لائحة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم " اليونيسكو " إضافة لعمريت وأرواد.
والجدير بالذكر أن هنغاريا تقوم في كل عام بتوجيه دعوات من قبل الجامعات الهنغارية للطلاب السوريين لإكسابهم الخبرات وتدريبهم على أحدث وسائل التنقيب . وقد قدمت هنغاريا هذا العام 50 منحة دراسية لطلبة الجامعات السورية، ولمديرية الآثار والمتاحف ، تأكيدا على اهتمامها بالحضارة والآثار السورية بوصفها تراثا عالميا مشتركا.