خاص–سيريانديز–سومر إبراهيم
يعد سهل الغاب حوضاً زراعياً نموذجياً ، مستقلاً بموارده الطبيعية ويؤلف وحدة بيئية اقتصادية وبشرية متكاملة ، يتميز بخصوبة تربته وملاءمتها لزراعة أغلب المحاصيل الحقلية كما يتميز بإمكانية تربية الثروة الحيوانية ، وغناه بالثروة الحراجية والمعالم السياحية ، فهو خزان زراعي واقتصادي .
يشغل الغاب الجزء الشمالي الغربي من محافظة حماة ، ويمتد محاذياً للجبال الساحلية من الشرق لمسافة /65/كم باتجاه شمال جنوب ، شاغلاً مساحة /140799/ هكتاراً تتوزع بين أراضي قابلة للزراعة وأخرى مروج رعوية وغابات طبيعية وأحراش .
تشرف عليه الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب وهي ذات طابع إداري و خدمي ، حيث تقوم بوضع الخطط والبرامج الخاصة في مجال الزراعة وتشرف على تنفيذها .
يزيد عدد سكان هذه المنطقة على /500/ ألف نسمة ويعمل معظمهم في مجال الزراعة بشقيها النباتي والحيواني وبعضهم يعمل بالمهن والحرف المرتبطة بخدمات الإنتاج والتسويق الزراعي وبعض المشاريع الصغيرة ، مما يجعله أيضاً خزاناً بشرياً .
تحولت الحيازات المستثمرة من قبل الأسر إلى حيازات صغيرة لا تتجاوز الـ ( 0.5 – 0.6 ) هكتاراً للحيازة الواحدة بسبب التوزيع والتقسيم بالتوارث على الأبناء ، وهذه لا تكفي بأي حال لتأمين أدنى عيش مستقر وكريم ، فضلاً عن غلاء مستلزمات الإنتاج بكافة أنواعها وتكاليف الزراعة من آليات ويد عاملة ، فيما عدا الإهمال للواقع الخدمي للأرض وللفلاح ، وقلة الموارد المائية وضعف ترشيد مياه الشتاء للاستفادة منها في الصيف .
والبنية التقليدية المتوارثة للعقل الإداري الذي يسيطر على الدوائر الخدمية في المنطقة منذ عشرات السنوات ، وضعف الثقة بين الفلاح والإدارات المشرفة ( والذي هو آخر همها )بالإضافة إلى الفشل الذريع الذي لحق بالمشاريع الكثيرة بدءً من مشروع الري الحديث الذي لم يزد الغاب إلا جفافاً وعطشاً بسبب غلاء أسعار الشبكات والعراقيل الكبيرة أما القروض الخاصة بها وعدم نجاح البنى التحتية المعدة لهكذا مشروع والتي صارت تستخدم للسقاية التقليدية ، حتى أن كثير من الفلاحين لا يعرفون بوجود مشروع اسمه الري الحديث .
مروراً بمشروع برنامج التنمية المتكاملة لمنطقة الغاب ( أغروبوليس ) الذي بدأ بالاتفاق بين الحكومة السورية وبعض المنظمات الأممية (UNDP) و (FAO) و ( UNIDO) بحضور النائب الاقتصادي حينها .
فاستبشر الناس خيراً وأخذ المشروع صداً كبيراً فأصبح حديث الناس وصار حلماً يشبه حلم حمص ، وحضر الخبراء وأنفقت أموالاً طائلة على الدراسة ، فزرعت المحاصيل البديلة وبنيت المصانع الزراعية ونشطت السياحة الزراعية والبيئية وأمنت أسواق تصريف المنتجات وبنيت المحاضر السكنية لوقف الامتداد العمراني في الأراضي الزراعية وانتعش الغاب وفرجت على فلاحيه وتحقق الأمن الغذائي والمعيشي في المنطقة ...!!! ولكن كل ذلك على الورق فقط حيث بقي المشروع حبيس الكرّاسات وأجهزة الكمبيوتر ولم يبصر بعدها النور واستيقظ الغاب من حلمه الجميل ليعيش كابوس الأزمة .
وصولاً إلى مشروع تطوير الثروة الحيوانية ، وصناديق الدعم الزراعي ، والتخفيف من آثار الجفاف ، هي أسماء جميلة وأفعالها لا تدل عليها هناك .
كل هذا أدى إلى تدني الإنتاج الزراعي والاجتماعي والمعيشي في المنطقة ، واتساع دائرة الفقر وهجر الفلاح لأرضه أو زراعتها مكرهاً لعدم وجود مورد معيشي آخر ، بالإضافة إلى ازدياد معدلات البطالة والهجرة وما لذلك من انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع .
وما شجعنا على كتابة هذا المقال هو الاهتمام الحكومي بالقطاع الزراعي والدعوة لزراعة كل شبر قابل للاستثمار حتى الحدائق المنزلية حسب التصريحات المتواترة للمعنيين بدءً من رئيس الحكومة وصولاً لأدنى مسؤول في القطاع .
والآن السهل الأخضر "كما كان يسمى سابقاً " يحضر لتنفيذ خطته الزراعية المقررة للعام القادم ، وهذا يعني البدء بتوفير مستلزمات الإنتاج والمحروقات ووضع خطة طوارئ لتوفير مياه الري وملاحقة تجار السوق السوداء والسماسرة بشكل فعلي بما يشجع الفلاح ويبعث التفاؤل في نفسه بأن الدولة ماتزال تقف إلى جانبه وتدعمه في زراعة أرضه منذ الخطوة الأولى ، ولا يقع فريسة للتجار والفاسدين على كثرتهم في المنطقة وتكون النتيجة خسارته وخسارة الدولة للإنتاج وضياع آخر فرصة لإعادة الحياة للمنطقة .
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن لم يتغير شيء ولم يوضع أي تصريح في حيز التنفيذ في الغاب ومازال تجار الأزمة ومهربي المحروقات وتجار مستلزمات الإنتاج والأدوية الزراعية المهربة يصولون ويجولون في ظل غياب واضح للتموين والمسؤولين المعنيين وهذا كله يهدد تنفيذ الخطة الزراعية ... فهل هناك من يدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان ...؟؟؟؟