دمشق- سيريانديز

اختتمت أعمال المؤتمر العلمي “رؤى ومقترحات جديدة لإحياء التراث السوري” مساء اليوم بالدعوة لإنشاء قاعدة بيانات عبر شبكة الانترنت ونشر الوثائق الأثرية السورية بالتعريف بها وتنفيذ أعمال إنقاذ التراث بالتنسيق مع المؤسسات السورية المعنية.

وتطرق مدير البعثة السورية الفرنسية في دورا أوربوس “الصالحية” بيتر لوريش في كلمته بالجلسة الختامية في المؤتمر لواقع عدد من المواقع الأثرية في سورية جراء الأحداث الراهنة ولا سيما موقعي ماري ودورا أوربوس في الجزيرة مؤكدا حاجة هذه المواقع لأعمال الصيانة والترميم السريع والشروع بأعمال الحفظ والأرشفة.

واقترح لوريش أن يتم التعامل مع هذه المواقع على مرحلتين بحيث تحمل الأولى طابعا إسعافيا سريعا يشمل كل المواقع السورية المتضررة بينما تحدد المرحلة الثانية أولوية لإعادة ترميم المواقع الأكثر تضررا مع الاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال وتأهيل الكوادر المحلية مع تقديم الدعم المادي والمشاركة في وضع الخطط وإرسال الخبراء الدوليين.

وتناول كل من الباحث الدكتور همام سعد من مديرية الآثار والمتاحف والمهندس إيف أوبلمان من مكتب إيكونيم لتوثيق التراث استخدام تقنيات التصوير ثلاثية الأبعاد والتصوير الجوي لأخذ لقطات دقيقة والاستفادة منها في تصميم نماذج ثلاثية الأبعاد شبيهة بالمواقع الأصلية بهدف توفير
نسخة قريبة من الواقع والاستفادة منها لدى الشروع بأعمال الترميم وإعادة تأهيل الموقع الأثري.

وتحدثت الباحثة ميرليان بوتشيلاتي التي عملت مديرة لبعثة التنقيب في تل موزان طوال ثلاثين عاما عن تجربتها في المواقع الأثرية السورية مشيرة إلى دور المجتمع المحلي في الحفاظ على التراث الأثري.

وتطرق البروفيسور باولو ماتييه مدير بعثة موقع إيبلا في كلمته إلى المبادئ الأساسية في إعادة بناء التراث العالمي المفقود مؤكدا ضرورة “احترام السيادة السورية خلال أعمال انقاذ تراثها الأثري باعتبارها عضوا في منظمة الأمم المتحدة وفي المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم “اليونيسكو” وعدم اتخاذ أي إجراء يؤدي لخرق هذه السيادة في مشاريع واقتراحات إعادة ترميم الآثار “داعيا إلى تعزيز التعاون بين الجهات المعنية في سورية واليونيسكو في هذا المجال.

كما دعا إلى بناء تعاون دولي واسع عبر الخبراء والتقنيين لإعادة تأهيل التراث السوري والبحث عن مصادر تمويل لإطلاق هذا المشروع وضمان استمراريته مبينا أنه يتوجب على العالم القيام به بشكل صلب ومتماسك ولا سيما أنه يخص الشعب السوري الذي قدم عبر العصور تطورا حضاريا وثقافيا متميزا.

وعرض الدكتور بالاج ماجور رئيس قسم الآثار في جامعة بيتر بازماتي بهنغاريا في كلمته لأعمال الترميم التي نفذها الفريق الآثاري الهنغاري في قلعة المرقب والطرق المستخدمة في ترميم بعض المقاطع إضافة لأعمال أخرى نفذها الفريق في كنيسة قلعة الحصن واقتراحات حل معاناة تسرب المياه إلى بنائها داعيا الى تشجيع العنصر السياحي في القلاع السورية لما له من دور مادي ومعنوي.

فيما تحدث المرمم بارتوس ماركوفسكي من المركز البولندى لآثار البحر المتوسط عن أعمال الإنقاذ والحفاظ على المنحوتات الحجرية في متحف تدمر لعام 2016 التي طالها إرهاب تنظيم “داعش” ولا سيما تمثالي أسد اللات وأثينا إضافة إلى القطع الأثرية الصغيرة واللوحات الجدارية حيث كان معظمها مكسرا ومحطما عبر تجميع الحطام في صناديق وفرزها ونقلها إلى أماكن آمنة ليتم لاحقا التعامل معها ضمن برنامج لترميم وحفظ تلك القطع مبينا وجود بعض الحالات النادرة التي لا تحتاج إلى كثير من الإصلاح كالتابوت الحجري الذي رمم بطريقة اللصق.

من ناحيته أكد ميروسلافو سلفيني المدير السابق لمعهد دراسات إيجه والشرق الأدنى في المجلس الوطني للبحوث في روما على القيمة التاريخية للتراث الأثري السوري والتي ظهرت في وثائق ممالك ماري وقطنة واوغاريت ومسكنة وإيبلا مكونة جزءا مهما من التراث الإنساني العالمي مشيرا إلى ضرورة نشر هذه الوثائق للمساهمة بتعريف العالم على الثقافة السورية عبر العصور كقاموس أوغاريت الذي يضم ثلاث لغات “سومرية وأكادية وحورية” ويعبر عن تلاقح لغوي وفكري عرفته تلك البلاد.

ودعت الدكتورة سغولين دو بونبغيان من جامعة أميان الفرنسية إلى توحيد الجهود ووضع قاعدة معطيات واحدة لجميع العاملين والمهتمين في الأثار السورية من مختلف البلدان لتبادل المعلومات وإيجاد فضاء تشاركي عبر شبكة الانترنت بهدف تشارك الأفكار والمعطيات تمهيدا لإنشاء مركز دولي للأرشفة بهذا الخصوص.

ونوه مدير المعهد الدولي لدراسات منطقة بلاد ما بين النهرين الباحث جورج بوتشيلاتي بإرادة وتصميم الآثاريين السوريين للحفاظ على تاريخهم وتراثهم رغم ما تتعرض له حضارة بلادهم مبديا استعداده لدعم المديرية العامة للآثار والمتاحف لأن التراث الأثري السوري ملك للعالم بأسره.

تبني أسلوب جديد في البحث الأثري والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب في ثاني أيام المؤتمر العلمي للآثار بدمشق

وكان قد أكد الباحثون المشاركون في جلسات ثاني أيام المؤتمر العلمي “رؤى ومقترحات جديدة لإحياء التراث السوري” ضرورة تبني أسلوب جديد في البحث العلمي ومنهجيات البحث الأثري والإجراءات التي اتخذتها مديرية الآثار لحماية مقتنيات المتاحف السورية خلال الحرب التي تتعرض لها سورية.

واستعرض مدير المعهد الدولي لدراسات منطقة بلاد ما بين النهرين الباحث جورج بوتشيلاتي في المؤتمر الذي تقيمه مديرية الآثار بالتعاون مع مكتب “ايكونيم” لتوثيق التراث في القاعة الشامية بمتحف دمشق الوطني تجربة تل موزان الأثري بمنطقة القامشلي من أعمال صيانة وترميم للموقع وحمايته ضد أخطار الطبيعة.

وأكد بوتشيلاتي دور المجتمع المحلي في حماية المواقع الأثرية من اعتداءات المجموعات الإرهابية ومن عصابات التنقيب، مبينا أن موقع تل موزان يعد من أهم المواقع الأثرية في منطقة القامشلي حيث كشفت أبحاث البعثات الأثرية عن وجود مملكة مهمة تعود مبانيها إلى الالفين الثالث والثاني قبل الميلاد.

بدوره أشار مدير شؤون المتاحف في مديرية الأثار الدكتور أحمد ديب إلى الإجراءات التي اتخذتها المديرية لحماية مقتنيات المتاحف من عمليات السرقة والنهب الناجمة عن الاعتداءات الإرهابية حيث وضعت أغلب مقتنيات المتاحف من القطع الأثرية القيمة في أماكن آمنة مؤكدا استمرار ومتابعة عمليات الأرشفة والتوثيق الرقمية للمقتنيات.

ولفتت الأمين العام الشرفي في متحف اللوفر بفرنسا الباحثة أني كوبي إلى أن المجموعات العاجية التي تضمها المتاحف السورية ولا سيما متحف دمشق تعتبر من المجموعات النادرة على مستوى العالم وتعود إلى عصور مختلفة كالعهد الآرامي والروماني ولا سيما المجموعة التي عثر عليها في قصر الحاكم الآشوري أرسلان طاش.

وبينت كوبي أن تنوع مصادر القطع العاجية السورية يعكس التمازج الحضاري الذي عرفته المنطقة كونها جلبت كمواد خام من مناطق بعيدة من عاج فرس النيل وأنياب الفيلة.

واستعرض رئيس دائرة آثار دمشق المهندس أحمد دالي أعمال الترميم وإعادة بناء بيوتات ومواقع بمدينة دمشق القديمة والآليات المتبعة في الحفاظ على هذه المدينة ولا سيما أنها مسجلة ضمن مواقع التراث العالمي وحمايتها من الآثار السلبية للمنشآت الصناعية والحرفية مؤكدا ضرورة وضع ضوابط للتخفيف من آثار الاستخدام السياحي العشوائي في المدينة القديمة.

وفي الجلسة الثانية تحدثت المهندسة عهد دياب من مديرية الآثار عن مشروع إعادة تأهيل قلعة الحصن بعد الأضرار التي لحقت بها جراء اعتداءات التنظيمات الإرهابية المسلحة عليها والمراحل التي قطعها هذا المشروع بدءا من تقييم الإجراء الأولي للأضرار وتنظيف القلعة من المخلفات التي تركها الإرهابيون وتوثيق الأضرار وتصويرها وفرز كل الأحجار المنهارة وتجميعها وإجراء عملية التدعيم الإسعافي للأجزاء المهددة بخطر الانهيار منوهة بدور البعثة الهنغارية التي تشارك خبراء المديرية في أعمال الترميم.

وأكد عضو بعثة إيبلا الأثرية الدكتور دافيدي نادالي أهمية تبني أسلوب جديد بالبحث الأثري استعدادا لمرحلة ما بعد الأزمة لاستعادة ما تم فقدانه من معلومات وبيانات بسبب الظروف الراهنة لافتا إلى ضرورة العمل الميداني والمشاهدة المباشرة للأوابد المتضررة لتوثيق حجم الضرر الحاصل معتبرا في الوقت نفسه أن الصور الملتقطة من الجو مفيدة لكنها غير كافية.

ودعا نادالي إلى وضع قوائم للمواقع المتضررة حسب درجة الضرر الحاصل فيها باستخدام تقنيات حديثة كالروبوت الآلي والتصوير ثلاثي الأبعاد وتحليل طبيعة القطعة الأثرية ورسم خطة لإنقاذها إضافة إلى الاستمرار في الرصد الميداني للمواقع الأثرية وادخال هذه المعطيات في الأرشيف الرقمي الأثري وتحليلها لاحقا عبر برنامج علمي حديث طبق مؤخرا في عالم الأثار.

ويشارك في المؤتمر أكثر من 20 باحثا وأستاذا جامعيا أجنبيا ممن عملوا في سورية وتحديدا من فرنسا وايطاليا وألمانيا وبولندا والولايات المتحدة الاميركية وهنغاريا وعدد من الباحثين السوريين والمختصين بالآثار.