سيريانديز- مودة بحاح
بكثير من التردد والقلق دخلت شابة منقبة بصحبة ولدين صغيرين ورجل متقدم في العمر، تبيّن لاحقاً أنه والدها وأنهم جميعهم خرجوا مؤخراً من جحيم حلب، وقرروا ترميم حياتهم من جديد واستعادت ما يمكن استعادته.
العائلة الصغيرة هذه اقتربت من أحد موظفي أمانة السجل المدني، وأخبره الأب أنه يريد تسجيل الولدين وتثبيت زواج والدتهما، لكن الموظف رفض طلبه لعدم امتلاك ابنته هوية شخصية للزوج أو عقد زواج نظامي، وكان جل ما تملكه ورقة صغيرة مكتوبة بخط اليد تتحدث عن زواج رجل اسمه "أبو القعقاع التونسي" على كريمة فلان الفلاني !!، وهذا الرجل الذي بقي مع الفتاة الشابة حوالي السنتين، تركها مع طفلين ستمنحهما الدولة في أفضل الأحوال لقب مجهولي النسب كتخفيف من وطأة كلمة لقطاء.
القصة السابقة والتي تشكل واحدة من مئات تحدث القصص عنها عضو مجلس الشعب - رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية المهندس فارس الشهابي، ونشرها على صفحته الخاصة في الفيسبوك مُرفقة برقم مرعب يوضح أنه تم تسجيل حوالي 23 ألف حالة لقيط مؤخراً، مع التوقع بأن الرقم أكبر من ذلك وستكشف عنه الأيام، ويرجع غالبية هؤلاء الأولاد لعقود زواج نُظمت في المناطق التي كانت خارجة عن سطيرة الدولة، وهي عقود لا تعترف بها الدولة ولا تقبل بتثبيتها في حال اختفاء الزوج، وبالتالي فالسيدات اللواتي تزوجن في زمن الحرب وخرجن من الحصار بصحبة أزواجهن، فقضيتهن بسيطة إذ يكفي تقديم بعض الأوراق ليتمكنوا من تثبيت الزواج وإخراج دفتر عائلة، وأيضاً تسجيل الأولاد، ولكن الحظ العاثر سيكون من نصيب أخريات تزوجن بعقد "براني"، ومن ثم فقدن أزواجهن إما بسبب موت أو نزوح، ويمسي الوضع أكثر تعقيداً حينما يكون الشاب غريبٌ من محافظة أخرى أو دولة أخرى لا تعرف عائلة الفتاة عنه أي شيء.
الأوراق المطلوبة:
يشترط القانون السوري مجموعة من الأوراق والاجراءات كي يعترف بالزواج ويقبل به، وهذ أجراءات لم تتغير خلال الأزمة وتعتبرها الجهات المعنية خطاً أحمر، ويوضح المحامي محمد علي تقي الدين، أن عقد النكاح في المحكمة الشرعية يحتاج إلى بيان قيود مدنية للزوجين، وسند إقامة من مختار المحلة التي سيقطنان بها، ويحتاج أيضاً لموافقة شعبة التجنيد لمن هم في سن الخدمة العسكرية، وموافقة ولي الزوجة، وشاهدين من الذكور البالغين مع ذكر بيانتهم الشخصية، إلى جانب ذكر المهر المؤجل والمعجل (مقبوض أم غير مقبوض )،
ويشرح تقي الدين قائلاً: "القانون منح ضمانات للمرأة أثناء عقد الزواج لتقوم بتوكيل وليها وسماع التفويض والموافقة شخصياً من قبل الموظف المكلف من قبل القاضي الشرعي بعقد القران، الأمر الذي يُستبعد الدين وجوده دائماً في بعض المناطق التي تسيطر عليها بعض الجماعات الاسلامية مما يفقد عقد الزواج أهم ركن من أركانه ألا وهو الرضا وحرية الإختيار".
ويضيف أن المشكلة في عقود الزواج التي تبرم في المناطق التي تقع تحت سيطرة المسلحين افتقار تلك المناطق إلى محاكم تتمتع بالاعتراف المطلق أو سجلات مدنية لتسجيل تلك الوقائع.
ويتابع تقي الدين أنه في حال عودة الحياة الطبيعية إلى تلك المناطق فيبقى مصير هؤلاء الأطفال بيد أبيهم الذي قد لا يقوم بتثبيت زواجه أو تسجيل أبنائه، فيكون للأم في هذه الحالة حق رفع دعوى تثبيت الزواج مستندة إلى وسائل الاثبات المقبولة قانوناً كشهادة الشهود للاستحصال على قرار قضائي يتضمن تثبيت عقد الزواج الجاري خارج المحكمة، مع التنويه إلى أن هذا الحل قد لا ينجح في حال أنكر الزوج عقد الزواج، ولم يحالفها الحظ في تأمين ما يثبت عقد النكاح، فهنا تحتاج إلى اقرار من الزوج أو وكيله القانوني المفوض بالاقرار بالزواج.
قانون جديد:
لا تقتصر هذه المأساة على حلب وحدها بل شملت مناطق عدة في سورية وخارجها، حتى أن الحكومة متمثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل سعت لحل الأزمة بوضع قانون جديد لـ“رعاية الأطفال مجهولي النسب”، وقد تحدث عنه القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي في تشرين الثاني من العام الماضي، وأوضح يومها أن هذا القانون عند إقراره سيَحلّ بديلاً عن قانون “اللقطاء” وسط توجّه لحذف كلمة “لقطاء” أينما وُجِدَت، كونها تشكّل وصمة عار على الأطفال، وشرح المعراوي أن مشروع القانون الحالي أعطى امتيازات لمجهولي النسب وذلك بتوفير كل أساليب الرعاية لهم سواء بتعليمهم كما نص على إحداث دار مؤقتة للضيافة متوافر فيها كل ما يحتاج إليه مجهول النسب وهي مؤقتة تستقبل الطفل من مخافر الشرطة أو من الشخص الذي وجده ثم تنظم الإجراءات لتسليمهم لأحد دور الرعاية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
كما بيّن المعرّاوي أن “مجهول النسب ليس بالضرورة أن يُولد نتيجة الزنا، بل هناك أطفال مجهولو النسب لصغر سنّهم أو لعلّة موجودةٍ فيهم، وهم ضائعون”، لافتًا إلى أن هناك أطفالًا ولدوا نتيجة حالات اغتصاب خلال “الأزمة”.