د. مهدي دخل الله
…”ليس فيها سوى الرمال والموت”، هكذا حاول ترامب تبرير قراره بالانسحاب من سورية..
أما الرمال، فهي موجودة أيضاً في الولايات، حيث هناك عدد كبير من الصحارى.
أذكر منها أريزونا ونيفادا وأوريغون وإيداهو وتكساس، وصحارى كاليفورنيا ونيومكسيكو ويوتا ووايومنغ وغيرها، ثم إن الرمال مادة مهمة لإنتاج السيليكون عصب الثورة الصناعية الثالثة (الكومبيوتر).
أما الموت، فمن زرعه في أرض الحياة.. سورية؟ وهل الموت سوى آلة من آلات عقاب شعب لا ذنب له سوى أنه يريد أن يكون مستقلاً استقلالاً حقيقياً في منطقة عزّ فيها الاستقلال الحقيقي؟؟…
وغنى سورية لا يقتصر على الرمال، ففيها البحر والنهر والجبل والسهل، وفيها الشمس والثلج في عناق أبدي لا يفهمه متعجرفو أمريكا. إنها، يا سيادة رئيس الدولة الأقوى، سورية “أكبر بلد صغير في العالم” كما يقول عارفوها من الأجانب العادلين..
ولرمال سورية منّة على البشرية جمعاء. فهنا، في الرقة ووادي النطوف، زرعت أول حبة قمح، وهنا دُجن أول حيوان بعد مرحلة الصيد والتنقل. هنا ـ بسبب الزراعة ـ كان أول من “حضر” على أرضه، فأسس “الحضارة”. على هذه الأرض، سيادة الرئيس، كُتبت أول أبجدية وأول نوتة موسيقية، كما ظهر أول تنظيم للمجتمع. إنسان سورية أول من ركب البحر، وأعطى أوروبا اسمها، وجال في فيافي الأرض كلها ينشر العلم والنور… لا كما تفعلون أنتم، حيث تنشرون الظلم والظلام.
وكي لا نبقى في الماضي لابد من ذكر الحاضر. فالحاضر، كما يقول أحد أهم أدباء اليابان المعاصرين، هو “أهم الأزمنة على الإطلاق”..
إنسان سورية المعاصر يصنع المستحيل في التصدي لأسوأ حرب عرفها التاريخ إذا ما قيست بتوازن القوى المادي، وهو في انتصاره على الإرهاب يعطي البشرية أملاً جديداً تماماً، كما أعطى أجداده البشرية آمالاً واسعة..
“ليس فيها سوى الرمال والموت”… هكذا يبرر ترامب انسحابه.. لا يا سيادة الرئيس، أنت تنسحب لأن العنب السوري أعلى من أن تطاله يداك. يذكّرني ذلك بقصيدة أحمد شوقي عن الذئب الذي شاهد عنباً لونه كلون الذهب، لكن عناقيده أعلى من أن يطولها. فتراجع وولى مكسوراً، وهو يعزي نفسه قائلاً:”هذا حصرم رأيته في حلب”..
mahdidakhlala@gmail.com