محمد فرحة
ما زالت المهددات البيئية وزحف الصحراء والتصحر نحو أراضينا الزراعية غائبة عن بال حكومتنا دون أن تعيره شيئاً من الاهتمام ، في الوقت الذي طالبت الحكومة المصرية قبل فترة من الآن بضرورة دمج الواقع البيئي في المناهج التعليمية من الحضانة وحتى التعليم الجامعي ، نظرا لأهمية البيئة وتربية جيلٍ يعي أهمية الواقع البيئي ، في هذا السياق فقد أشار قبل شهرٍ من الآن الأمين العام للمجلس القومي لمكافحة التصحر ، أن دراسةً أعدها المجلس كشفت بأن زيادة نسبة التصحر وانعدام الأراضي الزراعية سيتقلص من الآن وحتى عام 2030 بشكلٍ ملحوظٍ ومخيفٍ، ما لم تتخذ الحكومات التدابير والإجراءات اللازمة للحد من توسعه ، وبالتالي تراجع الناتج الغذائي في العالم وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط ، ما يدفع إلى النزاعات وهجرة أهالي الريف إلى المدن وبالتالي الانتقال من مشكل إلى آخر وبمصطلحٍ جديد يمكن أن نطلق على هذه الخطوة ترييف المدينة .
حرائقُ الغابات صورةٌ قاتمةٌ لمستقبلِ الأرض
تمثل الغابات نظماً طبيعية غنية بالتنوع الحيوي ، فهي في الوقت ذاته خط دفاعٍ هشٍ ضد تغيير المناخ ، لاسيما إنها تتعرض للحرائق بصورةٍ متزايدة ، لم تتعاف منها في الأمد القريب المنظور ، بدليل أنه لا يخلو صيف مر علينا منذ اندلاع الأزمة السورية وما قبلها إلا وشهدنا مئات الحرائق طالت آلاف الدونمات ، ووحدهم عمال الإطفاء يواجهون موجة الحرائق المتلاحقة والتي تدوم لفترة طويلة وترتبط هذه الحرائق غالباً مع ارتفاع درجات الحرارة وتناقص الهطولات المطرية ، ما يشكل صورة قاتمة لمستقبل الأرض والبيئة .
التنوعُ الحيوي في تناقصٍ
لعل القصة التي رواها لي عاملُ حراجٍ خيرُ شاهدٍ على تدمير التنوع الحيوي والإقلال من موائل الحيوانات والطيور التي تتواجد في هذه الغابات ، حيث قال : بأنه شاهد غزالاً وقد هرب أثناء اشتعال حريق بالقرب من منطقة غابات ومحمية أبو قبيس ، وكذلك الثعالب والأرانب والطيور التي يلاحقها الصيادون لقنصها .
وزاد مدير حراج غابات هيئة تطوير الغاب سامر عيسى بان الحرائق تفتك وتؤدي إلى انقراض العديد من النباتات الزهرية المعمرة ما يفقد هذه الغابات توازنها ويخلق خللاً في مكوناتها الطبيعية .
حرائق الغابات لدينا وفي العالم دفع المفوضية السامية للأمم المتحدة ميشيل باشليت أن تقول : أن العالم لم يشهد أبداً تهديداً بهذا الاتساع لحرائق الغابات ما يهدد حقوق الإنسان ، وأن من يحرق غابة يحرق مستقبل أبنائه وحاضره .
في هذا الصدد أوضح المهندس سامر عيسى مدير حراج منطقة الغاب :أن زيادة خطر الحرائق لدينا طيلة السنوات الثمانية الماضية جعل آلاف من الدونمات خالية من الأشجار لدرجةٍ تمّ إقصاءها من على وجه الأرض ، فتارة الحرائق وتارة آخرة الاحتطاب الجائر والمتاجرة بالأخشاب .
حوارُ الطرشان
هو العبارة الأكثر تعبيراً عن النقاشات التي تدور حول الشأن الزراعي بمختلف أشكاله وأنواعه ، وبخاصة الغابات منها فكلٌ يغني على ليلاه ، فغالباً ما اختلطت السياسة بالمصالح ودائماً أبطالها وزراء ، نسمعهم يخطبون شيئاً ويمارسون شيئا آخر على الأرض ، فخلال زيارة رئيس مجلس الوزراء لهيئة تطوير زراعة الغاب قبل أشهر من الآن طالب المعنيون في زراعة الغاب بضرورة تأمين حاجيات الإطفاء من سيارات ومحروقات ، ورفع أجور العاملين المؤقتين في قسم الحراج من خمسة عشر ألف ليرة إلى عشرين ألف ما يسهم في بذل المزيد من جهود هؤلاء العاملين في إخماد الحرائق .
ماذا كانت النتائج؟
يقول مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس أوفى وسوف : وصلنا عدة سيارات فقط لكن الأمور الأخرى ما زلنا بانتظار وصولها وإعادة النظر بأجور عمال الحرائق .
قد يبرر البعض ونقتنع بأن العشرات من الحرائق التي تطول غاباتنا الحراجية سنوياً ، نتجت بحسن نية وعن غير قصد ، حين أشعل شخصاً ناراً لهدفٍ معين ، واتسعت دائرة النار ولم يعد يستطع إخمادها ، ما استدعى سيارات الإطفاء وعناصر الحراج لإخمادها بعدما ألحق الضرر بالغابات .
لكن بالمقابل يمكننا أن نشك والشك ليس دائماً إثما وإنما من الفطنة أحياناً للوصول إلى الحقيقة ، فعندما يصل عدد الحرائق خلال أشهر الصيف الحالي إلى 400حريقٍ طال 7000و65 دونماً فهذا يعني أن هناك فاعل عن سبق إصرار وتصميم، كما حدث بالنسبة لحريق قفيلون الذي أُشعل الساعة العاشرة والربع ليلاً ، وفقاً لحديث مدير دائرة حراج زراعة الغاب المهندس سامر عيسى .
وزاد عيسى بأن هناك أهدافٌ غير سامية عند إشعال الحرائق فقد يكون للمتاجرة بالحطب والتفحيم ، أو لكسر مزيدٍ من الأراضي الحراجية المتاخمة والملاصقة للأملاك الخاصة بدليل هناك 550 دونماً هي الأخرى طالتها هذه الحرائق كونها متداخلة مع الغابات الحراجية .
وأشار عيسى إلى أن عدد الحرائق الزراعية التي طالت محاصيل القمح والشعير بلغ 284 حريقاً التهمت آلاف الدونمات الزراعية ، وحرمت المزارعين من جني إنتاجهم من هذه المحاصيل .
ونوّه مدير حراج زراعة هيئة تطوير سهل الغاب إلى أن بعض هذه الأشجار التي طالتها الحرائق يمكن أن تعود تلقائياً إن كانت من السنديان والشجيرات الأخرى ، في حين لابدّ من إعادة أشجار الصنوبريات والسرو والبطم والقطلب وغير ذلك .
وفي السياق ذاته ذكر مدير حراج زراعة حماة المهندس عبد المعين اصطيف بأن عدد الحرائق الحراجية التي طالت غابات مصياف وريفها خلال الأشهر الثلاثة الماضية بلغت 26 حريقاً راح ضحيتها 1200 دونماً حراجياً من الغابات .
وأوضح اصطيف في حين بلغ عدد الحرائق الزراعية الأخرى 303 حريقاً طالت 26 ألف و348 دونماً من الأراضي الزراعية كالكرمة والتين والزيتون والمحاصيل الأخرى . ساهم فوج إطفاء حماة وعاصر الحراج في إخمادها .
بالمختصر المفيد إن زيادة خطر الحرائق يتطلب تغييراً في طريقة إدارتها خاصة إذا علمنا أن الزيادة في حجم الحرائق بمقدار كبير يستلزم زيادة في ميزانية مكافحة الحرائق بأكثر من الضعف ، وتقسم الغابات إلى مساحات منفصلة للحد من توسع رقعة النار عند نشوبها في هذه الغابات والتي جلّها يسجل ضد مجهول .
عموماً ما يلحق غاباتنا الحراجية تحديداً من حرائق يكمن في غياب الثقافة البيئة وأهمية الغابات في حماية الأرض من التصحر والخوف على الطبيعة بات مقلقاً من التدمير بما يحمله من تأثير على حياة البشر وصحتهم .