سامي عيسى
تُعد سورية من أوائل الدول التي استطاعت الوصول إلى مستوياتٍ عاليةٍ في إنتاج القمح المحصول الاستراتيجي الهام , حيث بلغ إنتاجنا منه عام 2006 ( 4,9 ) مليون طن ووصلنا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي حتى عام 2012 قبل أن يبدأ التدمير الإرهابي للقطاع الزراعي , وهو ما أدى إلى وصول إنتاجنا عام 2018 إلى /1.2/ مليون طن، مع الأخذ بعين الاعتبار موجات الجفاف المتعاقبة، وهو ما تطلب القيام بخطواتٍ إستراتيجية لإعادة النهوض بهذا المحصول وتطويره.
إستراتيجيةٌ جديدةٌ
الحكومة تبنّت إستراتيجية جديدة لتطوير محصول القمح خلال الفترة (2020- 2025) على مستوى التسويق، والتصنيع والتصدير، وإعداد مصفوفة تتضمن البرامج المادية والزمنية، لتنفيذ هذه الإستراتيجية التي ستهدف إلى زيادة مساحة وإنتاج محصول القمح، وتحسين مؤشر الاكتفاء الذاتي ،وخفض مؤشر التبعية للواردات وتأمين مخزون استراتيجي، وزيادة نسبة تغطية الإنتاج المحلي إلى 95% ،وتحسين الميزان التجاري لمحصول القمح من خلال تأمين كميات كافية للتصدير، وخفض الفاقد بنسبة 50% إضافةً إلى تطوير الممارسات الزراعية، التي تضمن معالجة آثار التغيرات المناخية وتكفل أنظمة إنتاج مستدامة وزيادة تبني الزراعة الحافظة.
توقعاتٌ مبشرةٌ
بهذا الخصوص توقعت وزارة الزراعة أن يؤدي تطبيق الإستراتيجية الجديدة، والتي تقدر تكلفتها الإجمالية ب /10/ مليار ليرة إلى زيادة المساحة المزروعة بمحصول القمح إلى 1,8 مليون هكتار، والوصول بإنتاج محصول القمح في عام 2025 إلى ما يقارب 5 مليون طن، إضافةً إلى خفض حجم الواردات بنسبة 95%.
مواجهةُ الحصارِ
التدمير الإرهابي الممنهج الذي تعرض له القطاع الزراعي خلال سنوات الحرب طغى بثقله على زراعة أهم المحاصيل الإستراتيجية، التي كانت تحتل سورية مراتب متقدمة في إنتاجها، حيث تراجع إنتاج محصول القمح خلال السنوات الأخيرة ، وقُدرت قيمة خسارة إنتاجه خلال الفترة الممتدة بين (2011- 2016 ) بـ 2,3 مليار دولار حسب تقديرات منظمة الفاو وهذه القيمة تتضمن الخسارة فقط على مستوى المزرعة، دون حساب فقدان عوائد التصنيع والتصدير، وهو ما انعكس بشكل مباشر على زيادة فاتورة مستورداتنا من القمح خلال العامين الأخيرين حيث بلغ إجمالي المبالغ المخصصة لتأمين حاجة البلاد من القمح لعامي 2018 و2019 بحدود 368.2 مليون دولار، وفق ما أعلنت عنه لجنة القطع في رئاسة مجلس الوزراء والتي خصصت لاستيراد 800 ألف طن في 2018 و(1.15) مليون طن خلال العام الجاري، ومن المتوقع استيراد نحو 300 ألف طن أخرى بحلول نهاية هذا العام.
وأوضحت مصادر خاصة في وزارة الزراعة أن إصرار الدولة على مواجهة الحصار الاقتصادي الجائر واتخاذ كل ما من شأنه توفير متطلبات صمود جيشنا والمستلزمات الأساسية للمواطنين، شكّل تحدياً قوياً لجميع من راهنوا على إضعاف سورية اقتصادياً ودفعها إلى تقديم تنازلات في موقفها الراسخ بمحاربة الإرهاب، وتطهير كامل ترابها منه.
أصنافٌ محسنةٌ
وهنا يمكن القول أن إستراتيجية تطوير محصول القمح اعتمدت مجموعة من الأسس تقوم على التوسع في تطبيق تقنيات الري الحديث، ورفع كفاءة استخدام المياه من خلال زيادة إنتاجية وحدة المياه، وتطبيق الري التكميلي واستعمال الأصناف المحسنة الحديثة ذات الإنتاجية العالية ،واستنباط أصناف متحملة لأمراض الآفات الحشرية، وتطبيق الحزم التكنولوجية المتكاملة والأساليب الزراعة الحديثة، وزيادة المساحات المزروعة بالقمح المروي، وتمَّ خلال الموسم الحالي اتخاذ مجموعة من الخطوات لضمان استلام كامل محصول القمح من الفلاحين في كافة المحافظات، حيث تمَّ رفع سعر استلام محصول القمح “القاسي والطري” من الفلاحين، وذلك بهدف دعمهم وتشجيعهم على الاستمرار بنشاطاتهم الزراعية، كما تمَّ رصد مبلغ 400 مليار ليرة لدفع مستحقات الفلاحين مباشرة والتأكيد على المصرف الزراعي تسليم ثمن الأقماح للفلاحين بشكلٍ فوري وكحدٍّ أقصى في غضون 24 ساعة بعد أن تمّ منحه سلفة بقيمة 25 مليار ليرة، للبدء بدفع المبالغ المستحقة للفلاحين لقاء عمليات الاستلام، كما تمّ عقد المؤتمر السنوي للحبوب الذي ركز على توجيه جميع الوزارات والجهات ذات العلاقة بالقيام بالإجراءات اللازمة لاستجرار كامل محصول القمح والحبوب، وتأمينه من البيادر إلى الصوامع بانسيابية وسلاسة وتقديم التسهيلات اللازمة بدءاً من الحصادات وآليات النقل، ومراكز الاستلام وصوامع التخزين وصولاً إلى المطاحن، كما تقرر تأمين كميات الوقود اللازمة للآليات وتأمين الطاقة الكهربائية لجميع المراكز.
و أشارت المصادر إلى أن الحرب الإرهابية أثرت سلباً على كامل المساحات المزروعة (المروية والبعلية) من القمح والإنتاج المنفذ، وذلك بعد خروج المساحات الرئيسية في بعض المحافظات عن الاستثمار، ومنها المساحات المروية على شبكات الري الحكومية، إضافةً للمحاصيل البعلية ، حيث يتركز حوالي 82 % من المساحة المزروعة بالقمح في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب وإدلب ومنطقة الغاب، إضافةَ إلى صعوبة نقل الإنتاج من المحافظات المنتجة إلى المحافظات الداخلية، حيث لم يتم استلام أكثر من 1,047 مليون طن بسبب منع المجموعات الإرهابية المسلحة الأهالي من نقل القمح إلى المناطق الداخلية ، فضلاً عن تعرض معظم منشآت المؤسسة العامة لإكثار البذار ومراكز البحوث الزراعية التي تم بناؤها على مدى عشرات السنين لإنتاج البذار من الأصناف ذات الإنتاجية العالية للتدمير والتخريب الممنهج ، حيث تمّ تدمير (11) مركز غربلة ثابت من أصل ( 13 )مركز ، وخروج معظم المخابر المجهزة عن العمل.
إجراءاتٌ خاصةٌ
وبناءً عليه تمَّ اعتماد إجراءات خاصة على مدى الخمس سنوات القادمة للنهوض بالهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية تتمحور حول استنباط أصناف عالية
الغلة وتسريع وتيرة إكثار بذار الأصناف الحديثة، وزيادة كمياتها وتوزيعها حسب المناطق البيئية، والمحافظة على الأصول الوراثية ورصد الاعتمادات اللازمة لترميم البنوك الموجودة وإنشاء بنوك وراثية، تتمتع بمواصفات عالمية ورفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، من خلال إجراء بحوث المقننات المائية والمسح الجيولوجي لمختلف المناطق لتحديد الأماكن المناسبة لتطبيق تقنية حصاد المياه والاستفادة من مختلف أنواع المياه المتاحة، وتعزيز مشاريع التحول للري الحديث، إضافةً إلى رفع كفاءة العاملين والباحثين و إنتاج أصناف خالية من الآفات وتخفيض الفاقد من خلال دعم بحوث الوقاية.
تحسينٌ
إضافةً لاتخاذ حزمة إجراءات للنهوض بالمؤسسة العامة لإكثار البذار وتطوير دورها في تأمين البذار الزراعي المحسن والمغربل بكميات جيدة وجودة عالية، وزيادة إنتاجية المحاصيل وتحسين نوعيتها، من خلال زراعة مساحات خاصة بالمؤسسة ودعم وتحسين زراعة النويات في فرع حمص وإعادة تأهيل محطة مسكنة وزيادة الكميات المزروعة، ودعم عمليات تخزين المراحل العليا الأولية لعدة أعوام واستمرار دعم وتأهيل المختبرات لضمان جودة البذار، وإجراء الاختبارات، إضافةً إلى استمرار تأمين البذار الزراعي المحسن والمغربل بكميات جيدة وجودة عالية للمراحل الأولية ، وتعتمد الاستراتيجية نشر نظام الزراعة الحافظة من خلال زيادة الإنتاجية في المناطق البعلية وإقامة حقول مشاركة مع المزارعين و تقديم دعم للمزارعين من خلال المساهمة بنصف مستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة والتوسع في عدد الحقول الإرشادية وتامين مستلزمات الإنتاج لمساحة /30/ ألف هكتار موزعة على محافظات (الحسكة -حماة-حمص - درعا- السويداء)، إضافةً إلى التركيز على رفع كفاءة العاملين والباحثين في الإرشاد الزراعي، ونشر وتبني الممارسات الزراعية الجيدة، و استمرار العمل بالبرنامج الإرشادي لمحصول القمح المروي وتعزيز الدور التشاركي للمجموعات الفلاحية المشاركة .
وبالتالي الإستراتيجية التي تبدي تفاؤلاً كبيراً للمرحلة القادمة تتطلب خلية عمل حكومية متكاملة، لاتخاذ الخطوات اللازمة لزيادة الإنتاج وزراعة الأصناف الجديدة عالية الإنتاجية، لتقليل الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك.