المسكن هو الوطن الصغير لكل مواطن فهذا من حقه، ولكن للأسف مع غياب التخطيط السليم من الحكومات المتعاقبة، وفي ظل غلاء أسعار العقارات، وخاصة خلال سنوات الحرب، أصبح الحصول على مسكن حلماً صعب المنال.. إنه لأمر مؤلم أن يكون حوالي 50% من السوريين يقطنون المخالفات في دمشق وباقي المحافظات!!
في القادم من سطور سنلقي الضوء على معاناة الصحفيين بالحصول على مسكن، فالأرقام تشير إلى أن 90% منهم يقطنون في مناطق العشوائيات المنتشرة في دمشق، وبالأخص في حي الـ 86 الذي يقطنه أكثر من 114 صحفياً، وفي حي الورد بحدود 34 صحفياً، وفي عش الورور يقطن ما يزيد عن 15 صحفياً، وفي المعضمية هناك ما يقارب 35 صحفياً، وما يزيد الطين بلّة أن أكثر من 50% منهم منازلهم مستأجرة!.
هذه الأرقام الموثقة تؤكد مدى حجم معاناة هذه الشريحة الهامة في المجتمع التي تدافع عن حقوق المواطن، فمن يدافع عن حقوقها في تحصيل منزل لائق يساعدها على أداء واجبها في الإعلام الوطني؟!.
هدموا بيته ولم يعوض!!
الزميل الصحفي فراس سعود الذي يعمل في مديرية الإعلام الالكتروني بوزارة الإعلام فقد منزله في حي الكباس بدمشق منذ عام 2005 بسبب تحويلة المتحلق الجنوبي التي تصل مدخل دمشق الشرقي بدوار المطار، وخلافاً للقانون الذي ينص على تأمين بيت لكل مواطن يُهدم بيته لم يعوض “فراس” ببيت، بل فوق همه حمّلوه كغيره تكاليف ترحيل الأنقاض البالغة في ذاك التاريخ بحدود 6000 ليرة سورية، علماً أنه راجع محافظة دمشق عشرات المرات ولكن دون جدوى!!.
زميلنا الآن يقطن في بيت للإيجار ويدفع شهرياً 50000 ليرة تساوي راتبه بالكامل، فمن أين سيعيش لآخر الشهر؟!.
الهاجس الأكبر!!
وبرأي الزميلة ميليا اسبر من صحيفة تشرين أن تأمين سكن بات الهاجس الأكبر للصحفيين بدلاً من أن يكون همهم واهتمامهم تطوير أدواتهم وصقل خبراتهم لتتماشى مع ثورة الإعلام الجديد، فأمنية كل صحفي اليوم، برأي اسبر، أن يمتلك منزلاً حتى ولو كان متواضعاً يرحمه من ارتفاع إيجار العقارات التي بدأت تتزايد تدريجياً وبشكل غير منطقي، وتضيف: اليوم أغلب الصحفيين، (وأنا من بينهم)، يعيشون في مناطق عشوائية غير لائقة بمكانة وعمل الصحفي التي من المفترض أن تكون من أبسط حقوقه، وبالنسبة لي أعيش في منطقة الباردة في ريف دمشق، وهي تبعد مسافة 10 كم عن مكان العمل، وهذا ما يسبب لي عائقاً كبيراً في إنجاز عملي، عدا عن مشكلة المواصلات القليلة في تلك المنطقة.
وتسأل اسبر: كيف لصحفي أن يبدع في وقت فكره مشغول بتأمين إيجار بيته؟!.
وتوضح أن أكثر من نصف الراتب يخصص للإيجار، إضافة إلى المواصلات والتنقل وغيرها، علماً أن توفير السكن والمواصلات أداة العمل الأساسية التي تعطي الصحفي طاقة إيجابية، ورغبة في العمل، وتقول: الطرح الذي يتبادر إلى أذهاننا كصحفيين: ألم يكن بإمكان الحكومة أو اتحاد الصحفيين الذي كان من المفترض أن يسخّر كل جهوده لإيجاد حل لمشكلة سكن الصحفيين، ويسعى إلى تأمينه؟! والسؤال الآخر أليس من حق الصحفي أن يسكن في أماكن راقية منظّمة تشعره أنه مواطن درجة أولى إن جاز التعبير؟!.
الطريق الطويل!
رئيس اتحاد الصحفيين موسى عبد النور أقر بالواقع المرير للصحفيين لجهة صعوبة حصولهم على مسكن، ومن وجهة نظره بات الحصول عليه كالحلم في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار البيوت، وبيّن أنه في فترة ما كانت هناك إمكانية للحصول على مسكن من خلال عدة تسهيلات كانت تقدم من المصارف كقروض شراء أو إكساء، إضافة إلى انخفاض أسعار البيوت في تلك الفترة قياساً بالوقت الحالي، سواء في مناطق العشوائيات، أو عن طريق الجمعيات والضواحي المنظّمة، علماً أن الطريق في كلا الحالتين، حسب قوله، يتطلب انتظاراً طويلاً نتيجة لظروف الجمعيات ومشاكلها!.
وأشار عبد النور إلى وجود جمعية اسمها جمعية العاملين بالصحافة، وهي لا تقتصر فقط على الزملاء الصحفيين، وقد استفاد بعض الصحفيين منها، وهذه الجمعية كحال الجمعيات الأخرى تتعثر أحياناً بتأمين الأرض والتمويل، كما أن العديد من الصحفيين استفادوا من السكن الشبابي لأن الإجراءات كانت ميسرة، والأسعار ضمن الممكن والمقبول.
استجابة ومرونة!
وبخصوص ما تم تداوله مؤخراً حول تأسيس جمعية خاصة باتحاد الصحفيين بعد لقاء المكتب التنفيذي للاتحاد مع رئيس الحكومة، أوضح بأن الاتحاد عندما يطرح جمعية سكنية باسمه يأمل أن يتم تخصيص الاتحاد بقطعة أرض مجانية، أو شبه مجانية بهدف التوفير على الزملاء دفع ثمن الأرض، وغير ذلك تصبح هذه الجمعية كغيرها من الجمعيات، بمعنى ستغوص في مشاكل الأرض والتمويل، وقضايا أخرى معقدة!.
وأضاف: الأمر لا يرتبط فقط بالاتحاد، وإنما بعمله للحصول على الترخيص، وأيضاً سعيه للحصول على أرض مجانية من أجل مساعدة الصحفيين، لذا من خلال اللقاء المذكور تم وضع السيد رئيس مجلس الوزراء في صورة الواقع الحالي لمعاناة الصحفي لجهة الحصول على مسكن، وحتى المعاناة الأخرى للزملاء من حيث محدودية الدخل.
وبيّن عبد النور أنه كانت هناك استجابة ومرونة من حيث إمكانية المساعدة على تأسيس جمعية، والمساعدة بتأمين قطعة أرض مجانية أو شبه مجانية، لذا نحن اليوم نعمل على إشهار الجمعية من خلال الإجراءات المتبعة، حيث سنعمل أولاً للحصول على الموافقة الخطية من رئاسة مجلس الوزراء، وثانياً تأسيس الجمعية بالشروط المطلوبة من حيث عدد المنتسبين، وتشكيل مجلس إدارة، وكل القضايا الأخرى ذات الصلة، وبعد ذلك السعي لتخصيص الجمعية بقطعة أرض مجانية، وبذلك نسهل الأمر ونوفر على الأقل على الزميل الصحفي دفع ثمن الأرض.
ورداً على سؤال حول تقصير الاتحاد في فترات سابقة لجهة تأمين السكن، حيث كانت الظروف مساعدة ومواتية، قال عبد النور: حتى لا نلقي اللوم على المكاتب السابقة أو المكتب الحالي إن لم نستطع تأمين مساكن للزملاء الصحفيين، أود القول إن الموضوع ليس بالسهولة الممكنة، لأن تأمين السكن بحاجة أولاً كي تكون هناك مقدرة للزملاء الصحفيين على الدفع، بمعنى ما يتقاضاه الصحفي اليوم من أجر لا يمكن أن يبني أو يشتري له بيتاً بالمواصفات التي يحلم بها حتى لو في مناطق العشوائيات!.
الشعور بالألم!
ويتابع: أنا مثلي مثل بقية زملائي أشعر بالألم من هذا الواقع المرير والصعب الذي يعانونه، وكنا نأمل أن يكون الحال أفضل، ونتيجة هذا الوضع تقدمنا منذ أكثر من سنة لتأسيس جمعية، وتم تحويل الطلب من رئاسة مجلس الوزراء إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان، وكان الرد بأنه حالياً تتم دراسة وضع الجمعيات السكنية بشكل كامل، وعندما ننتهي يمكن النظر بالموضوع، يعني تم تأجيل الموضوع، وبعدها تم حل اتحاد التعاون السكني، ولأن الموضوع ملح تم تجديد الطلب من خلال الاجتماع الأخير مع السيد رئيس مجلس الوزراء من أجل أن يكون هناك وعد أكيد بإنهاء هذا الملف، وتأسيس الجمعية، وأنا متفائل بأن يكون هناك اهتمام وتعاون قياساً لأداء الإعلام الوطني.
وبرأي رئيس الاتحاد حتى تأسيس الجمعية وتخصيصها بأرض مجانية لن تحل مشكلة تأمين سكن لكل زميل صحفي، لأنه ستبقى هناك ملايين سيدفعها الصحفي بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء والإكساء!.
والخطوة الأولى والأهم برأيه “لحلحلة” الوضع هي بتحسين الوضع المعيشي للصحفي، وتقدير طبيعة عمله الصعب على مدار الساعة، لأن ذلك قد يساهم بحل جزء من هذه المشكلة.
لا توجد إمكانية!
وحول إمكانية تقديم الاتحاد لقروض شراء أو إكساء، بيّن عبد النور أن الوضع المالي الحالي للاتحاد غير قادر على ذلك، لأن الأمر يتطلب مئات الملايين، والموازنة الموجودة غير كافية، “إذا فتحنا هذا الباب ربما /5/ صحفيين يأخذون كل الرصيد”، مبيّناً أن الحد الأقصى للقرض هو بحدود 300 ألف تساعد الزملاء على قضاء بعض ما يحتاجونه من مستلزمات العمل، أو أشياء أخرى، وهو بطبيعة الحال غير كاف لتحقيق ذلك!.
نحن كل ما يهمنا الآن هو العمل على تحسين دخل الصحفي، وتقدير طبيعة عمله الصعب، وتقديم التسهيلات له بالحصول على مسكن، لافتاً إلى أنه في السنوات السابقة كان هناك شبه عرف بأن يتم تخصيص عدد من الصحفيين بحدود الـ 5 بكل جمعية أو ضاحية، لكن هذا الأمر توقف منذ فترة ولم يعد يُعمل به، ولو استمر لخفف من المعاناة!.
“حكي ببلاش”!!
منذ عام 1974 تم عقد النية لتنظيم العشوائيات، لكن النتيجة كانت عكسية، حيث تنامت العشوائيات إلى حد فقدان السيطرة عليها، وبعدها توالت القرارات، وتحديداً منذ عام 2000 ولغاية اليوم، ففي العام الماضي قرأنا وسمعنا عشرات التصريحات، وتقرر إحداث مناطق تطوير عقاري جديدة، وإنجاز الدراسات التطويرية لمناطق السكن العشوائي، ووضع الخارطة الوطنية للسكن في التنفيذ، ولكن لا شيء على أرض الواقع!!.
وللتذكير، ولعل الذكرى تنفع، “العشوائيات تزايدت بنسبة 220% بين عامي 1994 و2010″، وبالتأكيد بعد أكثر من تسع سنوات حرب زادت النسبة لأرقام خيالية!.
الحل ممكن ولكن!
ضمن هذا التعامل التقليدي لا يمكن إيجاد حل، لذا لابد من أخذ المشكلة على محمل الجد، وذلك بالعمل على وضع خطة استراتيجية تقوم على التخطيط السليم لأماكن السكن العشوائي، والحد منه من خلال توسيع المخططات التنظيمية العمرانية في المدن المتوسطة والصغيرة، ولابد أن يرافق ذلك العمل على ضبط النمو السكاني وتنظيمه من خلال زيادة التوعية السكانية، والإكثار من مشاريع السكن الشبابي بأسعار تناسب أصحاب الدخل “المهدود” الذي لا يكفي لتأمين الحاجات اليومية!.
ويبقى السؤال الذي لابد من طرحه: لماذا لم تأخذ الجهات التنفيذية بمؤشرات المسح الأول من نوعه في سورية الذي أعده المكتب المركزي للإحصاء عام 2008، والذي قدم بكل شفافية وقائع مرة عن واقع حال السكن العشوائي؟!.
غسان فطوم