• محمد فرحة
كان لدينا في مطلع السبعينات برامجٌ وطنيةٌ لتنمية المراعي وحماية الغابات ومشاريعٌ لاستصلاحِ الأراضي ، فأنشأنا برامج لهذه الغاية ومعها ازدهرت المراعي وتوسعت مساحات الغابات وارتفع عدد قطعان الأغنام والماعز ولعل أهم من كل ذلك ازدهرت البادية .
اليوم تراجعت كل هذه المعطيات، حيثُ تقلّصت مساحات الغابات وزحفت الصحراء إلى حدود أراضينا الزراعية ولم يعد لدينا ما تمّ تطويره من الثروة الغنمية والماعز الجبلي!!.
لعلّ الذكرى تنفع!
في منتصف السبعينيات وحتى أواخر الثمانينيات أقامت الحكومة برنامجاً وطنياً لتنمية المراعي تماشياً مع نمو قطيع الأغنام فضلاً عن العمل بعدة جوانب أخرى متكاملة ، يأتي في مقدمتها محور التنظيم الاجتماعي والدعم التقني وهو ما كانت تقدمه الهيئات العلمية الحكومية كوزارة الزراعة، يضاف إلى ذلك مورداً مالياً متمثلاً بصندوق تداول الأعلاف لتمويل عناصر البرنامج .
السؤال الذي يطرحه اليوم القائمون على تربية الأغنام: أين كل هذه البرامج ولماذا لم تلقَ الثروة الغنمية الحيز الأكبر تماشياً مع ما كانت تقدمه للاقتصاد الوطني من خلال تصدير الملايين من ذكورها وأصوافها ولحومها التي كانت تغرق أسواقنا المحلية وتعتبر من أفضل أنواع اللحوم في الدول المجاورة ؟؟.
فلا مركز وادي العزيب لتطوير المراعي لقي الاهتمام المطلوب - طبعا نتحدث هنا عن ما قبل الأزمة- حيث كان لنجاحه الأثر الفعّال ما دفع الحكومات السابقة في تلك الفترة إلى إحداث ثمانية مراكز في كل من حسياء بحمص ومركز المنصورة والرواق في دمشق ومركز برج مريم في حماة ومركز طول العبا في الرقة وأم مدفع في الحسكة ومركز الشولا في دير الزور وعرى في السويداء وغيرهما في كل من حلب ودرعا حتى مؤسسة الأعلاف تمّ تقليص دورها وتمّ منح استيراد أعلاف الدواجن لعدة تجار .
أين البرامج والخطط؟
مدير عام الهيئة العامة لإدارة وتطوير البادية المهندس ياسر حمدو قال رداً على التساؤلات السابقة: عملنا اليوم يقتصر على منع فلاحة البادية وتأهيل الآبار الموجودة فيها وعددها ثمانية حفاظاً على استقرار القاطنين في مواقع تواجدها من جهة ، ومن جهة ثانية توفير المياه للأغنام الموجودة رغم قلة عددها .
وبيّن حمدو أن مشروع تنمية البادية ومراعيها كان قائماً على النهج التشاركي، هذه التجربة انتهت مع بداية عام 2012 لكننا ما زلنا نقوم بين الحين والآخر باستزراع النباتات الرعوية كالرغل ، لكن عملية التصحر وزحف الرمال لا يمكن وقفها ما لم يكن هناك برامج وخطط وطنية كبيرة ، خاصةً في السنين العجاف وانحباس الأمطار .
وأشار مدير عام الهيئة بأنه يوجد في موقع الروضه اليوم فقط 30 ألف رأس من الأغنام ، ومن هذا المنطلق قمنا بتأهيل الآبار المحيطة بالروضه مكان تواجد القطيع ، عموماً ما نقوم به باختصار هو حالةً إسعافية فقط لا غير ، ولم تعد الأغنام اليوم كما كانت ما قبل الأزمة حقيقة ، ولإعادة ترميمها نحتاج لمزيد من العمل والجهد .
أرقامٌ وإحصائيات
ومن باب التذكير في إحصاءٍ وجدته في أرشيفي كان آنذاك أي في مطلع السبعينيات عدد الثروة الغنمية 6490 رأساً فقط ليصل في منتصف الثمانينات إلى 3 مليون رأس وإلى ال13 مليون في منتصف التسعينيات وفي عام 2010 خمسة عشر مليوناً ، لكن مع تراجع الاهتمام وغياب السياسات الزراعية الناجحة لم يبقَ لدينا اليوم عشرة ملايين ، ومن يقول غير ذلك فليس لدينا إحصاءً دقيقاً منذ عام 2010 فكل رقمٍ جاء بعد ذلك هو تأشيري ومكتبي لا يعتد به .
تلك مسيرة تجاربنا الناجحة ، وهذه أصداؤها ، وكما قلنا في صدر هذا الموضوع يجب أن يتفاعل الصوت اليوم مع الصدى كالنسيج الذي تختلف خيوطه في الاتجاه لكنها في النهاية تشكل نسيجاً واحداً يُضفي الدفء والنمو على اقتصادنا الزراعي ، فالسبب الوحيد لتراجع قطاع الثروة الحيوانية هو عدم إيلائها الاهتمام الكافي ، وكذلك هو حال غاباتنا التي أمسى بعضها أثراً بعد عين ، وفي موازاة ذلك زحف الصحراء والتصحر ليضرب أراضينا الزراعية ما ينذر بتوسع رقعته ونحن بأمس الحاجة إلى زيادة نمو هذا الاقتصاد وزراعة كل شبر متاح زراعته ، ويكفي للدلالة على صوابية ما ذهبنا بالقول إليه هو أنه خلال عامي 2018و2019 حتى الشهر العاشر منه بلغت قيمة مشترياتنا من القمح 275 مليون دولار ثمناً للقمح فهل نعود لبرامجنا الوطنية ولثرواتنا الغنمية تحصيناً لأمننا الغذائي القوي .