كتب وسيم القطان على صفحته:
ضاع صدى دعوات الحكومة السورية لعودة الصناعيين بين هدير آلات المصانع التي يملكها السوريون في الخارج..طلبوا تحرير حلب فحررها أبطال الجيش العربي السوري، وطالبوا بإعادة افتتاح المطار فاستجابت الحكومة، مع سلّة خدمات متكاملة يصبّ معظمها في خانة دعم و إنعاش الصناعة...فهل هي ثقافة " لو خرجت من جلدك لما عرفتك" المستقاة من قصص وروايات التراث، التي تنقل لنا بالتواتر حكايا الكوميديا السوداء ؟؟ لقد مضى أكثر من شهر على كل ذلك الضجيج والتلويح من الداخل والخارج، من قبل من زعموا أنهم ينتظرون شارة العودة.. لكن لا إجابات .. بل تجاهل مريب يفتح أبواب الهواجس على ما لم نكن نحب ونشتهي.
لذا يمسي السؤال الآن مكثّف بتفاصيل الإلحاح التي يتضمنها، وكلها تدور تحت عنوان مؤلّف من كلمتين " ماذا بعد" ؟؟
هل بالفعل علينا أن نترك بلدنا خاوية من الضروريات والكماليات بانتظار أن يرضى ويستجيب من لم يعطوا ولو إشارة واحدة بأنهم سيستجيبون..ويعودوا لتدوير مصانعهم ؟؟
وهل علينا أن نمعن في شلل الذراع اليسرى بانتظار أن تُشفى الذراع اليمنى للاقتصاد السوري..ونستمر بالتوسّل والدعاء لها بالشفاء؟؟
لقد أثبتت متوالية الأحداث على مر السنوات العشر السابقة، أن الصناعة السورية هي أحد أذرع الاقتصاد وليست كل أذرعه وحواسه، و أن في تقاليدنا الاقتصادية شيء آخر هام اسمه سياحة، و آخر اسمه زراعة، وثالث اسمه تجارة، ورابع اسمه خدمات، وسلسلة متكاملة طالما فاخرنا بها في سورية، تحت مسمّى " التنوّع"..فلماذا نصرّ على بتر هذا المقوّم الإستراتيجي الذي راكمناه على مرّ عقود..ونصرّ على اختصار أنفسنا ومسخ قدراتنا لندور في دوامة كادت أن تكون جوفاء مخصصة ومحجوزة لصناعي لم يأتِ، وربما لا يفكر بأن يأتي على المدى القريب والمتوسّط.
لا نملك بالفعل إلا أن نسجّل إعجابنا بالخطوات التي تنتهجها الحكومة لدعم الصناعة والصناعيين، وتعزيز المنتج المحلّي، وحتى سياسة إحلال المستوردات، لكن ليس على طريقة " لسنا الأفضل لكننا الوحيدين".
ولا بأس أن نخطط لمستقبل اقتصادنا البعيد، بعيداً عن حتميّات الظرف الراهن..لكن لا بأس أيضاً أن نفكّر باحتياجات بلد ويوميات مواطن، نمت بداخله ثقافة استهلاك السلع المهربة لأن استيرادها ممنوع..
هناك في الخارج ثمة كماً هائلاً من الدولارات..لن تأتي بها أحلام الصناعة، بل وقائع التجارة..ويخطئ من يعتقد أن تمويل المستوردات سيكون من السوق المحلية..فهذه الأخيرة خاوية من الدولار..وقد نبّهنا في مقال سابق إلى أنّ المهربات تموّل من السوق المحلية، وتؤثر بشكل كارثي على سعر صرف الليرة، وليست المستوردات التي يملك كبار التجار الكتل المالية الكافية لمويلها.
من الأفضل أن تدخل الألبسة استيراداً تحت أعين الرقابة والاختبار، وليس تهريباً، ومثلها الأغذية والمنظفات والمعقمات والأدوية وكل سلسلة الاحتياجات التي لم تفلح صناعتنا بتحقيق الكفاية منها..فهل نبقي بوابات التهريب مفتوحة لأننا لم نتمكن من إغلاقها، أم "نغلقها" تماماً بطريق سهلة وناعمة وبسيطة ومجزية أيضاً، عبر السماح باستيراد ما يجري تهريبه، لتستفيد الخزينة، ونضمن سلامة ما يتدفق صوبنا من كل حدب وصوب، خصوصاً و أن جائحة كورونا تتوعد العالم، فمن يضمن أن أحد لن يدس لنا " الكورونا" في جعب مهربات ما هب ودبّ على هذه الأرض .. غير مراقبة وغير معروفة المنشأ؟؟
لماذا نتعسف بأنفسنا وباقتصادنا ومستهلكنا لمجرد "المكابرة" على التراجع عن قرار لم تثبت جدواه ولا إيجابياته على أي صعيد..
البضائع تتدفق إلى بلدنا تهريبا اليوم بلا رقيب أو حسيب..لتحقق كفاية سلعية "مفخخة" اوهمتنا بأننا ننتج مانحتاج..وأن تقليص قائمة المستوردات لم يؤثر على استدامة السلع في أسواقنا..فهل هي غواية الاختباء وراء الإصبع التي لم تعد تنفع في عالم لايعترف بأن ١+١=١١..بل = إثنان وإن كره هواة المجاملة و التكلف.