مكتبُ التشاركية: على الجهة صاحبةِ المشروع تقديم دراسة جدوى لاختيار المسار الصحيح
دريد سلوم
تتجه معظم الدول في العالم ومنها العربية إلى الاهتمام بموضوع الموانئ الجافة لما لها من أهدافٍ استراتيجية تتمثل في تحسين مستوى الخدمات اللوجستية المقدمة مما يساهم في زيادة حركة الصادرات والواردات ودعم الاقتصاد القومي بزيادة الإيرادات المحققة من نقل وتداول البضائع، وتخفيف الضغط على الموانئ البحرية ومنع تكدس البضائع والحاويات، إذ إن الموانئ الجافة تهدف لتعظيم الاستفادة من توسعات الموانئ لإنعاش حركة التجارة الدولية والترانزيت، ومواكبة الاتجاهات العالمية لتسهيل التجارة عبر الحدود وتحقيق مزايا تنافسية للاستثمار من خلال تحسين معدلات الوقت المستغرق في إنهاء إجراءات الإفراج الجمركي والتصدير، وتخفيض التكاليف المالية والبيئية لحركة الواردات والصادرات من خلال استخدام السكك الحديدية مما يسهم في تحسين معدّل التضخم وتحسين تنافسية الصادرات.
وحيثُ إن الموانئ الجافة هي أمرٌ مستحدثٌ تمَّ طرحه خلال السنوات الماضية لتنفيذ مشروعات استثمارية، يتم التعامل مع بيوت الخبرة العالمية لتنفيذ وتصميم الدراسات الخاصة بالمشروع وتقديم النتائج والمشاركة في إعداد كراسة الشروط، خاصةً بعد قيام منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 1995، حيث نشّطت حركة التجارة العالمية مستخدمةً أساليب ومفاهيم جديدة لتقليل التكاليف الكلّية إلى أدنى حدٍّ ممكن، وتطورت مفاهيم كثيرة منها الميناء البحري الذي كان يعتمد على موقعه الجغرافي مع التركيز على توفير خدمات المناولة للبضائع وعمليات التخزين داخل الميناء، حيث كان الميناء البحري هو البداية أو النهاية للبضائع الواردة أو الصادرة، أما الآن فقد اشترك الميناء البحري في سلسلة النقل المتعدد الوسائط وأصبح حلقة من حلقاته، ونشطت المنافسة بين الموانئ في تقديم الخدمات المتكاملة لسلسلة النقل مع الاهتمام بسياسات تسعير الخدمات بهدف تقديم خدماتٍ مميزة بأسعارٍ تنافسية لاستقطاب أنشطة تجارية جديدة مع الاحتفاظ بالأنشطة القائمة، وذلك بربط الميناء البحري بالمناطق الخلفية (الموانئ الجافة) بشبكةٍ من الطرق المختلفة (برية، نهرية، سكك حديدية، وشبكة اتصالات حديثة) لتوفير المعلومات أول بأول.
عن الميناءِ الجاف
هو عبارةٌ عن منشأةٍ مجهّزة تقام داخل البلاد كامتدادٍ للموانئ البحرية أو بالقرب من المناطق الصناعية، يتم إقامتها لإتمام النقل متعدد الوسائط ولتحقيق المفاهيم اللوجستية ولمنع التكدس بالموانئ البحرية والجوية وتحقيق قيمة مضافة، مع ضرورة أن يتوافر لها بنية أساسية متميزة تربطها مع وسائط النقل المختلفة وشبكة اتصالات عالية الكفاءة وتكون هذه المناطق خاضعةً لسيطرة الجمارك.
والفرق الوحيد تنظيمياً بين الميناء الجاف والمستودع الجمركي هو أن الميناء يُنص عليه في بوليصة الشحن Bill of Lading على أنه الوجهة النهائيةFinal Destination عبر ميناء محدد. (Via Port of……) ، والموانئ الجافة هي إحدى الحلول الرئيسية لنواتج مواجهة تحسين ونمو الاقتصاد العالمي من خلال التجارة المنقولة ، حيث تحقق التسيير والتدفق المنتظم لحركتها بالصورة التي تزيد من الفاعلية الاقتصادية المطلوبة لها، وحيث تقل تكلفة البضاعة من خلال تقليل تكلفة نقلها والخدمات التي تؤدى لها سواءً بتقليل زمن بقائها بالموانئ أو بتقليل زمن بقاء وسائط نقلها ممتلئةً أساساً بالسفن وغير ذلك من أنشطة القيمة المضافة والأنشطة المكملة والتي تصب جميعها بالنهاية في الوعاء الاقتصادي بالشكل الإيجابي الذي يزيد من نموها وتدفقها.
أهميةُ الموانئ الجافة
تعتبر الموانئ الجافة مهمة لاستكمال وربط حلقات النقل متعدد الوسائط والذي يعني نقل بضائع بواسطتين مختلفتين على الأقل (بحري، بري، نهري، جوي) وبعقد نقلٍ واحد -سند شحن واحد– متعدد الوسائط وبين دولتين على الأقل. أي نقل من الباب إلى الباب، وبالتالي فإن هناك أماكن ليست بالضرورة أن تكون موانئ بحرية يتم فيها تغيير وسيط النقل، وتحدد هذه الأماكن بدقة، وتخضع للإشراف الجمركي لكل دولة وتسمى بالموانئ الجافة، وهذا ما يجب التركيز عليه حالياً في سورية بالنسبة لموقعها الجغرافي المتميز والذي يعد صلة وصلٍ وربطٍ بين دول الجوار لما تملكه من شبكة نقلٍ طرقي وسككي متطور وليس من الصعب إجراء التسهيلات والتشريعات القانونية اللازمة والتي تحقق الغاية من مفاهيم اللوجستيات لتقليل تكاليف النقل، بحيث يلتزم الناقل الدولي متعدد الوسائط بإتمام عمليات التوريد المادي للمصانع وعمليات التوزيع المادي للمنتجات التامة الصنع إلى سوق المستهلك في التوقيتات المتفق عليها وبأقل تكاليف ممكنة وبحالةٍ تتفق مع ذوق المستهلك، وهذا يعني أن دور اللوجستيات هو ربط أي مشروع بشبكةٍ واحدة، ومن ثم يمكن للمشروعات أن تحقق المنافسة في الأسواق بخفض تكاليف نقل السلع من خلال إحكام السيطرة على جميع مراحل عمليات النقل بدءاً من مرحلة توريد المواد الخام إلى وصول السلع تامة الصنع للمستهلك.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور همام عبيد خبير في لوجستيات النقل أن للمرافئ الجافة أهمية كبرى كونها تلعب دوراً محورياً في موضوع الترانزيت والربط بين الدول وهي منافذ برية شبيهه تماماً بالمنافذ البحرية وتحقق ذات الغاية عدا عن كونها توسع المرافئ البحرية من حيث الساحات والتفريغ، كما أن استثمارها بالشكل المناسب يحقق عائدات مالية تعزز اقتصاد البلد الذي تستثمر به تماثل عائدات النفط، ولهذا من المجدي البدء باستثمار هذه المرافئ والتحرك بشكلٍ جاد لوضعها ضمن الخطط الاستثمارية،وذلك يتحقق من خلال تغيير المنظومة القانونية (مالية –جمار-نقل-اقتصاد) أي كل ما يسمح ويتيح انسيابية البضائع، وبالتالي وجود تشريعٍ ناظم لعمل هذه المرافئ، إضافةً إلى تطوير البنية التحتية الحالية للتوافق مع منظومة النقل المتعدد الوسائط.
الموانئ الجافة في سورية
تمتلك سورية خمسُ مرافئ جافة وهي موزعة بشكل جغرافي يحقق ربط متكامل بين دول الجوار وتتوضع بشكلٍ مدروس ،إذ أن المرفأ الأول يقع قرب المدينة الصناعية في عدرا على مساحة /163/ ألف م2، والمرفأ الثاني في حمص على مساحة /902,4 / ألف م2، وهو مباشر به بطاقة تحميل وتفريغ /10/ ملايين طن سنوياً أي ما يعادل /1,5/ مليون حاوية نمطية، أما المرفأ الجاف الثالث فيقع في المدينة الصناعية بالشيخ نجار في حلب بمساحة /360/ ألف م2 وبطاقة تحميل وتفريغ /10/ ملايين طن أي ما يعادل /1,5/ مليون حاوية نمطية، ويقع المرفأ الجاف الرابع في السبينة وهو قيد الاستثمار وبطاقة سنوية /90/ ألف حاوية نمطية أي ما يعادل /560/ ألف طن وستصبح طاقته السنوية بعد تنفيذ التطوير /180/ ألف حاوية نمطية بمساحة مستثمرة /22000/ م2 في دمشق بمحطة الشحن للقطارات في السبينة، وبالنسبة للمرفأ الجاف الخامس فيقع في المسلمية في حلب بالمنطقة الحرة وهو قيد الاستثمار وطاقته الحالية /60/ ألف حاوية نمطية أي ما يعادل /450-500/ ألف طن، وستصل طاقته السنوية بعد تنفيذ التطوير إلى/120/ ألف حاوية نمطية .والدراسات التنفيذية الآن هي إنشاء أربعة مرافئ جافة أخرى مستقبلية في كل من دير الزور «قرب المدينة الصناعية»، والبوكمال واليعربية على الحدود مع العراق، ونصيب على الحدود مع الأردن.
وقبل الأزمة في سورية كَثُر الحديث عن ضرورة تفعيل المرافئ الجافة وتعزيز دورها في قطاع النقل خصوصاً ، وعلى المستوى الاقتصادي عموماً ، كما صدرت في هذا المجال مجموعة من القرارات لتعزيز هذا الاتجاه كان آخرها المرسوم الجمهوري رقم /70/ تاريخ 13/9/2010 الذي عدّل قانون الجمارك بما يخدم هذا الاتجاه.
ولقد كان المعمول به سابقاً ألا يسمح بنقل الحاويات من المرفأ البحري إلى المرفأ الجاف إلا من خلال الخطوط الحديدية لسهولة مراقبتها وعدم قدرتها على تغيير مساراتها، إلا أنه وبعد تطور وسائل المراقبة من خلال الأجهزة المتطورة والأقمار الصناعية أصبح من المقبول قيام الشاحنات بنقل الحاويات بين المرفأين البحري والجاف وهو ما تمّ لحظه في المرسوم الجمهوري رقم /70/ آنف الذكر.
أهمية التشاركية في مثل هذه المشاريع
طرحت الحكومة مفهوم التشاركية للنهوض بالواقع الاقتصادي والصناعي ودفع عملية الاستثمار بشكلٍ ينعكس على الناتج المحلي ويحرك الاقتصاد بشكلٍ صحيح بالاستفادة من المقدرات الموجودة لدى القطاع العام والتي يصعب استثمارها في ظل الظروف الحالية، ومن الأهمية بمكان في ضوء ارتفاع تكاليف إنشاء المرفأ الجاف، ولأن إدارة المرفأ الجاف تتطلب بدورها خبرات كبيرة وتنظيم متطور، فمن المناسب أن يتم إحداث مثل هذه المرافئ من خلال التشاركية بين الحكومة ممثلةً بإحدى الجهات (المناطق الحرة، المرافئ .... ) وبين إحدى الجهات الخاصة ذات الخبرة في هذا المجال، بأن تقدم الحكومة الأرض -على سبيل المثال- وتقوم الجهة الخاصة ذات الخبرة بتقديم المعدات والآليات وتتولى عملية التشغيل لمدة متفق عليها وفقاً لشروط التشاركية بين القطاعين العام والخاص.
إلى جانبِ تهيئة الخطوط الحديدية لمواكبة عمليات نقل الحاويات المليئة وإعادة الحاويات الفارغة من وإلى المرفأ البحري من خلال رحلاتٍ منتظمة تنطلق في مواعيدٍ محددة وفقاً لتدفق حركة الحاويات وبما يؤمن عمليات تسليم البضائع المستوردة بانتظام وتطوير منظومة النقل المتعدد الوسائط مستفيدين من الموقع الجغرافي المتميز ، خاصةً أن نظام المراقبة لحركة الشاحنات بات متاحاً من خلال الوسائل الحديثة في التعقب (G B S, S C S).
وهنا يوضح مكتب التشاركية التابع لهيئة تخطيط الدولة أن مشاريع التشاركية تركز على الأولويات بحيث يتم تقديم جدوى اقتصادية لأي مشروع من قبل الجهة صاحبة المشروع ،بغض النظر عن آلية التعاقد وبعدها يتم دراسة المعطيات الواردة والمتعلقة بالمشروع وبالتالي تحديد خيار التعاقد إما مسار تقليدي (تقوم به الجهة صاحبة المشروع ويتم إدراجه في خططها الاستثمارية ) أو مسار تشاركي (الإجراءات المحددة بالقانون رقم 5 عن طريق استدراج عروض وهنا يتم إتاحة تكافل الفرص و المنافسة من حيث تقديم العروض)،وفي حال تمّ اختيار الحل التشاركي يتم تحديد وتنظيم العقد بحسب ما ينص قانون التشاركية وهو محدّد للعلاقة بين الطرفين ويحمي الحقوق الممثلة للطرفين.