ربما باتت الظروف الاقتصادية الحالية والارتفاعات الكبيرة بأسعار السلع الغذائية تمنع السوريين من استقبال شهر رمضان باللهفة ذاتها التي كانت تنتابهم في السنوات الماضية، فهل ستبقى العزايم والسكب الرمضانية والصدقات كما كانت في السابق، أم إن السوري أصبح يفكر في تأمين تكاليف إفطار أفراد عائلته فقط؟
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، اعتبر في تصريح لـ«الوطن» أن الأغلبية العظمى من السوريين أصبحت غير قادرة على القيام بهذه الطقوس، وذلك بسبب الارتفاع الكبير للأسعار والظروف الاقتصادية الحالية، فهي بدأت بالتلاشي شيئاً فشيئاً منذ عدة سنوات، باستثناء بعض الحالات القليلة في الأرياف، فاليوم لم يعد بإمكان ربة المنزل أن تطهو الطبخات «المعتبرة» على حد تعبيره كي تسكب منها للجيران، متابعاً: «كان السوريون ينتظرون قدوم شهر رمضان للقيام بمثل هذه الطقوس، أما اليوم فقد أصبح ذلك عبئاً على النسبة الكبيرة منهم».
وفي حسبة بسيطة أجراها الدكتور عربش، أكد أن وجبة الإفطار لأسرة مكونة من 5 أشخاص أصبحت تكلفتها تصل إلى 300 ألف ليرة بالحد الأدنى، أي إن ذلك أصبح يكلف شهرياً نحو 9 ملايين ليرة، ولكن لا يستطيع المواطن إعداد مثل هذه الوجبة بشكل يومي، مؤكداً أنه في حال تناولت الأسرة وجبة فول أو فتة فقط على الإفطار، وسندويشة لبنة أو جبنة على السحور لكل فرد من أفرادها بشكل يومي، فإنها ستحتاج خلال شهر رمضان إلى 2.5 مليون ليرة، فكيلو اللبنة يصل إلى نحو 35 ألف ليرة، وكيلو الجبنة بـ70 ألف ليرة، وكيلو الفول بـ18ألف ليرة وكذلك الأمر بالنسبة لكيلو الحمص، ناهيك عن الزيت وغير ذلك من المواد.
وأشار عربش إلى أن الجار كان في السابق يسكب من طبخته لجاره كي يتشارك الجوار فيما يأكلون ولإحداث تنوع غذائي على الموائد الرمضانية، وكانت تحدث بين أبناء الحي الواحد أي الذين يتشاركون الطبقة الاجتماعية نفسها، وكان الكثير من السوريين يقدمون مساعدة للفقراء الذين يطرقون أبوابهم بعد مضي نحو نصف ساعة من الإفطار لإطعامهم مما تبقى من طبخاتهم، ولكن حتى هذه الظاهرة أصبحت غير موجودة اليوم، أي إن فعل الخير خلال شهر رمضان أصبح أمراً صعباً لأنه يحتاج قدرة كبيرة وملاءة مالية باتت غير موجودة سوى عند نطاق ضيق من الناس.
وفي سياق متصل، أكد عربش أن الكثير من السوريين يضطرون خلال شهر رمضان إلى بيع بعض مما يمتلكونه من الذهب في حال توفره للتمكن من تأمين متطلبات شهر رمضان.
عضو غرفة تجارة دمشق ياسر اكريّم، رأى في تصريحه لـ«الوطن» أن ارتفاع الأسعار لن يحرم السوريين من القيام بالطقوس الرمضانية وإنما سيخفف منها، فقد أصبحت العزائم تقام بالحد الأدنى مقارنة بما كانت عليه قبل عدة سنوات، موضحاً أن وجبة الإفطار أصبحت تكلف 50 ألف ليرة للشخص الواحد في حال كانت الوجبة كاملة لا ينقصها أي مكون غذائي، ولكن هذه التكلفة لا يدفعها كل المواطنين لأن الكثير من الأسر أصبحت تعتمد على الوجبات التي تفتقر للحم أو السمن وغير ذلك من المكونات ذات الأسعار المرتفعة بالنسبة لهم.
وأشاد اكريّم بالمبادرات التي قام بها بعض التجار هذا العام قبيل شهر رمضان كالبيع بأسعار مخفضة وأسواق الخير وغير ذلك والتي ستساهم بشكل كبير بالتخفيف من أثر الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها السوريون.
من ناحيته، اتفق أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزه، مع الدكتور عربش من ناحية أن السوريين أصبحوا عاجزين عن القيام بالطقوس الرمضانية نتيجة للظروف القاهرة، فعلى سبيل المثال أصبحت وجبة الإفطار التي اعتاد الصائمون تناولها في أول يوم من شهر رمضان والتي يعد اللبن مادة أساسية فيها تكلف نحو 500 ألف ليرة، وهذا الأمر يشكل عبئاً كبيراً على الكثير منهم.
وأكد حبزه أن الكثيـر من الأسـر لـن تستفيد من السلة الغذائية التي طرحتها مؤسسة السورية للتجارة وذلك لعدم قدرتهم على شرائها على اعتبار أن سعرها يعد مرتفعاً قياساً بالأجور، لافتــاً إلى أن الأســواق تشهد خلال شهر رمضان ارتفاعاً بأسعار بعض السلع الغذائية كالأجبان والألبان والأرز.