رأى رئيس مجلس الوزراء محمد الجلالي أنه “من غير المجدي التوقف كثيراً عند الحديث عن التاريخ وأعيننا إلى مستقبلنا”.. فهناك سياسات عامة متراكمة منذ خمسينيات القرن الماضي لم تعد قابلة للاستمرار، ويجب العمل الآن لإنتاج سياسات تلبي احتياجات الواقع المعقد والصعب، موضحاً أن انتقال الدولة من التشغيل إلى التنظيم لا يعني تراجع دور الدولة بل يعني تطوير هذا الدور وانتقاله إلى صيغة أكثر واقعية وأكثر إنتاجية.
وناقش اجتماع عُقد اليوم في مبنى رئاسة مجلس الوزراء برئاسة الدكتور محمد غازي الجلالي مع المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال، واقع القطاع العام وهموم ومطالب الطبقة العاملة وأهمية التنسيق والتشبيك بين الجهات الحكومية المعنية والاتحاد فيما يتعلق بقضايا العمال المختلفة وتحسين واقعهم المعيشي على وقع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
واستهل الدكتور الجلالي حديثه بالتأكيد أن الطبقة العاملة من أهم رؤوس الأموال الوطنية، ومن أهم أركان بنية الاقتصاد الوطني باعتبارها تمتد على مساحات كل من القطاعين العام والخاص وربما يكون حجمها في القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي يفوق حجمها في القطاع العام، ومن الضروري جداً أن يقارب اتحاد العمال المسألة العمالية من هذا المنظور الكلي وعدم التركيز فقط على العاملين لدى الجهات العامة.
واعتبر رئيس مجلس الوزراء أن التنظيم العمالي هو ضرورة وطنية في كافة النظم السياسية الليبرالية أو التدخلية، ليس فقط للعناية بحقوق الطبقة العاملة بل لتنظيم سوق العمل وإدارة القوى العاملة على النحو الأمثل لما فيه المصلحة المشتركة بين العاملين وأرباب العمل.
وقال رئيس مجلس الوزراء: “ثمة طروحات جديدة وجريئة تطال القطاع الصناعي والقطاع الإنشائي وغيرهما من القطاعات التي يجب تغيير مقاربة دور القطاع العام فيها، أين هو الآن.. وأين يجب أن يكون؟”.
من جهته أوضح رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري أنه لم يكن مدخل الاتحاد في مقاربة القضية العمالية إلا مدخلاً وطنياً.. والاتحاد جاء إلى طاولة مجلس الوزراء ليلاقي توجهات الحكومة بأفكار ورؤى من خارج الصندوق أيضاً، فالهدف هو التطوير الحقيقي والتشاركية في هذا التطوير والحاجة إلى وضع منهج في إدارة ملف زيادة الرواتب والأجور بما يضمن أن تلبي الحد الأدنى من مستوى الحاجات المعيشية.
وأكد الحاجة لتعزيز متممات الرواتب في حال عدم القدرة على تحقيق زيادة شاملة للرواتب، وهذا ما يقتضي متابعة دقيقة من قبل الجهات العامة المعنية.
طروحات أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال تركزت على الآتي:
-من أهم أسباب تردي أوضاع العاملين في الدولة هو وجود قانون موحد للعاملين في الدولة لا يراعي التمييز بين مستويات الكفاءة والمؤهلات والأداء، فوجود مسطرة واحدة لكافة العاملين في الدولة عطّل الكثير من الطاقات العمالية وخلق تراجعاً واسعاً في الإنتاجية.
-مع الإقرار بأهمية وضرورة تحريك أسعار الخدمات، لكن من المفيد أن تقوم الحكومة بالرفع التدريجي لأسعار هذه الخدمات وتفادي “العلاج بالصدمة” لأن هذا يضع المواطن أمام تحديات لا يقوى على مواجهتها.
-كانت الحكومة تعد بأن تحريك أسعار المواد المدعومة سيترافق مع زيادة كتلة الرواتب والأجور كاستكمال لملف إعادة هيكلة الدعم، لكن لم يتم إنجاز ذلك فعلياً فما حدث هو رفع أسعار المواد المدعومة عشرات المرات مع بقاء الرواتب والأجور على وضعها.
-جاء مشروع الإصلاح الإداري في ظروف صعبة لم تساعد على حسن تطبيقه وخير مثال على ذلك، كان ملف الحوافز المالية للعاملين في الدولة، حيث تم إطلاق هذا البرنامج ثم تم توقيفه، ما أدى إلى هدر في الوقت والجهود، ما يدل على أن القرارات الحكومية لم تكن على المستوى المطلوب من الدراسة والتدقيق قبل إطلاقها.
ورداً على طروحات ومطالب أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد، بيّن الوزراء المراحل والخطوات التي قطعتها وزاراتهم في سياق الجهود المبذولة لتطوير واقع العمل والأداء في مختلف القطاعات، ولا سيما ما يتعلق بمشروع الإصلاح الإداري وضرورة إعادة النظر بسياسة الوظيفة العامة ومراجعة نظام الحوافز وواقع العمالة المؤقتة واللباس العمالي وقيمة الوجبة الغذائية ووضع عمال المخابز الاحتياطية والتأمين الصحي وأسعار الأدوية والحماية الاجتماعية ودور مؤسسات التدخل الإيجابي والدعم المقدم لمشاريع الطاقات المتجددة.
مشاهدات من اجتماع الحكومة مع ممثلي العمال
-شكك أحد أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد العمال بقدرة القطاع الخاص على النهوض بمتطلبات المسؤولية الاجتماعية الوطنية كتلك التي يمتلكها القطاع العام.
-رأى أحد المشاركين في الاجتماع، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن ما طرحه عضو المكتب التنفيذي ينطوي على ظلم كبير للقطاع الخاص الوطني وفيه نظرة سلبية في غير مكانها، مع الإشارة إلى المبادرات الواسعة التي قام بها القطاع الخاص الوطني والقطاع الأهلي والمجتمع المحلي خلال كارثة الزلزال، أو جائحة كورونا أو خلال الأزمة منذ 2011 حتى اليوم في سياق الحرب ضد الإرهاب وداعميه.