كتب:أيمن قحف
وقعت بين يدي صورة قديمة لاجتماع حضرته للمجلس الأعلى للاستثمار في 17-9-2001 برئاسة الدكتور محمد مصطفى ميرو رئيس مجلس الوزراء آنذاك..
يظهر في الصورة المهندس محمد ناجي عطري الذي كان نائب الخدمات والدكتور خالد رعد الذي كان نائباً اقتصادياً والمهندس مكرم عبيد وزير النقل والمهندس أحمد الحمو وزير الصناعة ومحمد سراقبي مدير مكتب الاستثمار "رحمه الله"..
كنا كثيري الانتقاد للحكومة-حتى في ذلك الزمان،لكنها وللأمانة كانت حكومة تركت بصمة يكفيها أنها عبرت البلد بأمان في ظروف صعبة أبرزها وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد.
لقد كنت ضيفاً دائم الحضور في جلسات المجلس الأعلى للاستثمار و السياحي والزراعي ولجنة الترشيد وغيرها منذ أيام المرحوم محمود الزعبي إلى أن أغلقها المهندس عطري بوجهنا بعد خلافه مع الدكتور مهدي دخل الله وزير الإعلام في 2006 والذي أراد أن يكون عمل الحكومة أكثر شفافية من خلال تواجد الإعلام!!
ربما كان دخل الله محقاً في المبدأ ،وربما كان عطري معذوراً بسبب سوء تعامل بعض الزملاء مع نقاشات لا يجوز ذكرها في الإعلام!!
في عهد ميرو تميز الأداء بالحرص على إنجاز العمل واتخاذ القرار وعدم التأجيل،ويندر أن يتم تأجيل قضية ما دون قرار،أو يدخل شخص إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء دون أن تحل مشكلته وفق القانون..
في تلك الجلسة للمجلس الأعلى للاستثمار عرضت وزارة النقل مذكرتين ،الأولى تتعلق بوضع السيارات في سورية بشكل عام حيث كان الاستيراد ممنوعاً وشركات التأجير الاستثمارية مزدهرة،والإدخال المؤقت متألق!!
تم عرض المذكرة بخمس دقائق دون قرار أو تعليق من أحد!!!
بعدها عرضت وزارة النقل مذكرة حول بيك آب سكودا لشركة استثمارية في الحسكة تعرض لحادث خربه بشكل كامل وكان السؤال هل نسمح للشركة باستيراد بديل مع إعفاء ؟!
بقي الحضور يتناقشون نصف ساعة دون حسم!!!
كان الدكتور ميرو يسأل قبل اتخاذ القرار:"حدا عندو اعتراض يا أخوان؟!"
هذه المرة،ولأنه كان يسألني أحياناً عن رأيي في الجلسة،رفعت يدي فسألني :ما هو اعتراضك يا استاذ أيمن؟
اعتذرت لتدخلي وقلت لهم:أعتقد أن وقت الحكومة أثمن بكثير من أن يضيع في قضية بيك أب في الحسكة،لقد ناقشتم وضع السيارات في سورية كلها بخمس دقائق والآن تضيعون نصف ساعة لأجل بيك أب؟!!!!
إن المواطن ومسؤولياتكم بحاجة أكبر لوقتكم من البيك أب الذي يمكن أن يعالج قصته موظف في الوزارة أو مكتب الاستثمار!!!
للحظة بدا وكأن كلامي شحن الأجواء واستفز الحضور،انتظرت وانتظر البعض أن يطردني الرئيس من الجلسة لتطاولي على مقاماتهم!!!!
أطرق الدكتور ميرو ملياً ثم قال لي:معك حق تماماً،ونادى المرحوم سراقبي قئلاًله:يا محمد ،لا تحضر الجلسة القادمة إلا ومعك قائمة بالتفويضات لكم وللوزارات كيلا تصل القضايا الصغيرة إلى هنا..
ولحفظ ماء وجه البعض قال ميرو:صحيحي أنها قضية صغيرة لكنها تعطينا فكرة عن مشكلات المستثمرين...
في الجلسة التالية كان هناك 35 تفويضاً انتقلت من المجلس الأعلى لمكتب الاستثمار والوزارات
اليوم،القصة تتكرر،يضيع وقت حكومة بأكملها على حل مشكلة تأمين المازوت والبنزين من حمص بين ضخ أو نقل بالصهاريج أو القطار وآليات الحماية والتوزيع الكفؤ،وكلها أمور تحل باجتماع واحد مركز وجريء،بينما قد نختصر اجتماعات الحوار الوطني والبرنامج السياسي للمبادرة التي تعطي بارقة أمل بانتهاء الأزمة لصالح قضايا أقل أهمية بكثير!!!!...