فيينا –أيمن قحف
بالأمس غادرت من مطار دمشق الدولي على متن الخطوط النمساوية إلى فيينا ..
قد يكون من الظلم المقارنة ما بين مطاري دمشق وفيينا ، أو بين الخطوط السورية والخطوط النمساوية، فالظروف مختلفة تماماً ، ولكن أن نركن إلى هذا المبدأ كي لا نفعل شيئاً أو نعالج واقعنا وأخطاءنا فهذا لا علاقة له بـ ( المقارنة الظالمة) ..
أليس من الظلم أن تقتصر حركة مطار دمشق ( الدولي) على بضع طائرات إقلاعاً ومثلها هبوطاً على مدار يوم كامل ،
في حين يضج مطار فيينا بالحياة رغم الثلوج التي تحاصره في شتاء أبيض ؟
الجميع يتحدث عن الموقع الجغرافي المميز ونحن أحق من لديه موقع مميز لا نستفيد منه في مجال النقل الجوي ، كيف تكون دبي أو الدوحة مركزاً للحركة من سورية إلى أوروبا أو أمريكا ولا تكون دمشق ، وكيف تسير التركية ثلاث رحلات يومية من دمشق لاستانبول ومنها لكل أنحاء العالم ولا نكون نحن ؟
كيف تتمكن النمساوية من تشغيل رحلة يومية تربط دمشق بكل أوروبا والعالم و نعجز نحن ؟!
يجيبون : الحظر والعقوبات الظالمة قلصت أسطول السورية فتراجعت الحركة ؟!
كلام صحيح ولكن هل يقنع من يقوله أولاً ؟
السورية جزء من الصورة وليست كل الصورة ، وجعل سورية محوراً لحركة النقل الجوي يحتاج حزمة اجراءات ومطارات وشركات سورية خاصة تؤازر السورية وتنهي احتكارها الذي أعفى الشركات الخارجية و استقوت على القطاع الخاص السوري لتمارس (حصريتها ) و بطولاتها عليه !!
ترى هل يعلم المسؤولون أن إدارة السورية بالكاد تتمكن من تشغيل الطائرات الثلاث بصورة اقتصادية وهي تتحرك بحمولة مخجلة في غلب الرحلات !؟
هل يعلم المسؤولون أنه بالأمس لم يكن هناك سوى جهاز واحد لتفتيش الحقائب يستثمر من أصل خمسة أو ستة وهناك كوتان من أصل 12 للهجرة والجوازات تعمل نظراً لقلة الركاب في المطار ؟
لم تتمكن الحكومات السورية المتعاقبة من بناء مطار دولي يليق بدمشق ويستقطب الشركات والركاب وليس هناك حظر أو عقوبات تعيق انشاء المطارات ..
في فرنسا التقينا منذ عامين رئيس شركة فينسي العملاقة التي تبني المطارات الكبرى من ضمن أعمالها ، فاتحه المسؤولون السوريون برغبة سورية بالتعاون معهم في بناء المطارات وظنوا أنهم سيلقون( فرحة لا توصف ) لكن الرجل المخضرم قال بوضوح : في 2001 طلبت الحكومة السورية منا دراسة مشروع مطار دمشق الجديد وقمنا بذلك وأرسلنا الدراسة بانتظار الرد ، نحن شركة تعمل في 62 دولة ولدينا 360 ألف عامل وليس لنا سبع سنوات أخرى نضيعها في الانتظار لتقرروا وتردوا على عرضنا !!!!!
في تركيا زرنا شركة كبرى لانشاء المطارات وهي تنفذ مثلاً مطار دبي الجديد ومطار طرابلس الغرب وغيرها وقدموا عروضاً مدهشة ولكن لم يحصل شيء !!
نحن أمام حالتين متناقضتين على سطح واحد : نطالب بمطارات كبرى وشركات طيران وبالكاد نستطيع استثمار المطارات الحالية والطائرات المتوفرة ؟!
ليس في الأمر تناقض ، إنه اختيارنا ، هل نريد أن نبقى في الزاوية مقتنعين ب ( قدرنا ) أم ننطلق ليكون لنا مكان على الخارطة ؟أذكر أيام فقري عندما اخترت راتب الوظيفة أنني عندما كنت أحاول استدانة 500 ليرة من جار أو صديق كان يعطيني 100 أو 200 ليرة أو لا يعطيني لأنه لا يثق بقدرتي على السداد ، اليوم عندما قررت أن أعمل بعقلية القطاع الخاص وأن يكون لدي مشروعي الذي أعيش من حصيلته بشكل أفضل – دون التخلي عن المبادئ والأخلاقيات العامة ودون تجاوز القانون –صار بإمكاني أت أطلب مليون ليرة من أي شخص في محيط عملي فلا يتردد لحظة لأنه يثق بقدرتي على السداد ..
أعرف أن هذا المثال سيجلب علي تعليقات كثيرة ، ولكن أود القول أن أي فرد أو مؤسسة أو حتى دولة يختار بنفسه الموقع الذي يريده ويستحقه من خلال العمل الجاد على ذلك وليس الاكتفاء بـ ( لعن الظلام ) ..
وأنا هنا في قلب أوروبا تحضرني عبارة توصف حال أوروبا وهي أن أوروبا هي عملاق اقتصادي ولكنها قزم سياسي بفضل إذعان ساستها للهيمنة الأمريكية ، وبالمقابل أرى أن سورية عملاق سياسي بفضل سياسة السيد الرئيس بشار الأسد ولكنها تكاد تكون قزماً اقتصادياً بسبب تردد مسؤوليها التنفيذيين وخوفهم الذي يجعل القلم يرتجف بين أصابعهم وعدم قدرتهم على اتخاذ القرارات التي تجعل من سورية الاقتصادية على مستوى قامة سورية السياسية السامقة ، وقصة الطائرات والمطارات خير دليل ..