عقد مؤتمر المغتربين العرب الأول الذي يواصل أعماله في مقر جامعة الدول العربية في اليوم الثاني جلسة عمل ترأستها سورية حيث ترأس عضو المجلس الاستشاري الاغترابي السيد نبيل الكزبري جلسة عن الجيل الثاني ومأزق الهوية،وفي بداية الجلسة ألقى كلمة قال فيها:
أصحاب المعالي و السعادة ،
أيها السيدات و السادة،
يطيب لي أن أرأس اليوم هذه الجلسة في مؤتمر المغتربين العرب بحضوركم الكريم، و الأمل أن يكون هذا المؤتمر فاتحة لقاءات و علاقة وطيدة بين المغتربين و بين وطننا العربي، لما فيه الخير للجميع.
موضوع جلستنا هو تعميق التواصل بين الأجيال الناشئة في المهجر و ثقافتهم الأصلية ، وهو موضوع ذو شجون عشته شخصياً مع أولادي وأحفادي وأبناء أمتنا العربية المغتربين في النمسا وبقية دول العالم.
يسعدني أن أرحب اليوم بجميع الحضور من المغتربين، الذين يحملون عبق العروبة عبر التاريخ حيثما توجهوا، و يغرسون قيمها و أخلاقها، فتثمر أفعال خير و عطاء و صداقة و سلام، و كأبناء منتمين إلى هذه الحضارة العربية العريقة و التي استمرت آلاف السنين لأنها بنيت على التعايش و المحبة و الوئام و السلام .
كما أرحب بكم كمواطنين في بلدان أخرى انتسبتم إليها فأخلصتم لها و أبدعتم في عطاءاتكم وعملكم و مهنكم دون أن تروا تناقضاً على الإطلاق بين اعتزازكم بجذوركم التي لم تغادركم و وفائكم للبلدان التي قررتم ألا تغادروها، و في هذا المسلك أيضاً كنتم أيضاً أوفياء لقيمكم العربية التي ترى في التعايش ميزة و غنى و ثروة للجميع و ترى التفاعل بين الأديان و الثقافات و الشعوب مصادر خلاقة للطاقة الإنسانية و الازدهار الحضاري بكافة جوانبه.
لعل مبادرتكم اليوم و مشاركتكم في هذا المؤتمر ،تأتي تعبيراً صادقاً و عفوياً عن إدراككم لأهمية دوركم في موطنكم الأصلي و في الموطن الذي قررتم الانتساب إليه، خاصة أن الحضارة الإنسانية، بحاجة اليوم، لدور فئات من أمثالكم، لديها القدرة على استيعاب الأبعاد الثقافية والسياسية للمجتمعات المعاصرة، نتيجة غنى تكوينها و خبرتها، و اطلاعها على خبرات و تجارب شعوب متعددة. و لم يكن الوصول إلى مثل هذا التكوين الذي وصلتم إليه سهلاً، فقد دفع ثمنه أجدادكم و آباؤكم الذين تحملوا مشقة السفر و ألم الغربة و الحنين إلى الوطن، كي يضعوكم جميعاً على خارطة البلدان التي انتسبتم إليها. و لذلك فمن حقنا و واجبنا جميعاً أن نستثمر في ذلك الإرث الذي صنعه لنا الآباء و الأجداد، و أن نفاخر بما أنجزوا، و أن نبني على ما أسسوا، خاصة و أنهم كانوا رسل التواصل الإنساني و التفاعل الحضاري
و إننا لفخورون جداً أننا، حيثما توجهنا، نرى أبناء الوطن العربي المغتربين يجسدون هذه القيم ويتمتعون بسمعة طيبة ، هي محط اعتزاز لنا جميعاً ، و يتكيفون في المجتمعات التي اختاروها، ويشكلون في كثير من هذه المجتمعات هبة قيمة لها. حيث لم ينكفؤوا على ذاتهم، بل تزاوجوا وتفاعلوا و عبروا عن محبة و تفان تجاه بلدانهم الجديدة، و اعتزازهم بالتراث الحضاري العربي الذي ينتمون إليه، و من خلال كل ذلك عبر أبناء الوطن العربي في كل مكان، عن حقيقة هامة و جلية و هي أنهم ينتمون إلى بلد واحد اسمه العالم
هذه الصورة التي جسدتموها عبر تاريخ الاغتراب هي صورة مفعمة بالقيم الإنسانية و بالأخلاق وبكل تأكيد، فان شعوباً و ثقافات كثيرة في العالم تشاركنا هذه القيم، معبرة عن وحدة الحضارة الإنسانية، و مبينة أن الصراع لا يكون بين حضارة و أخرى، بل بين الحضارة و اللا حضارة، بين الأخلاق و انعدامها، كما هو بين الخير و الشر، فمقولة صراع الحضارات التي يروج لها بعض أصحاب العقول المغلقة، خاصة في هذه المرحلة التي غيرت ثورة الاتصالات فيها مفاهيم كثيرة، وفسحت المجال لتعرف الثقافات بعضها ببعض، و لكن، و بنفس الوقت، استغلت هذه التقنيات المتطورة لتشويه حقائق كثيرة في العالم عن وطننا العربي. و مع ذلك تبقى الصورة التي يراها الإنسان مباشرة على أرض الواقع أكبر تأثيراً و أكثر مصداقية، و هذا يحملكم مسؤولية كبيرة، تكبر كلما تطورت وسائل و تقنيات تشويه الحقائق في العالم
المغترب لديه نقطة قوة قد لا توجد لدى الآخرين. أنه اطلع على ثقافتين و تجربتين و اندمج و تمازج في مجتمعين. فعرف نقاط قوة المجتمع الأول و الثاني، و أصبح قادراً على المقارنة. و المقارنة مهمة جداً، وبالتالي هو الأقدر على أن يقول لكلا البلدين، أي تجربة هي الأفضل؟ و أين الخطأ في التجارب الأخرى؟ و هنا تكمن أهمية هذا المؤتمر و هذا التواصل مع المغتربين.
و هكذا فان الموضوعية تقتضي عدم النظر إلى الاغتراب و كأنه مجرد نزيف للبلاد، بل يمكن أن يتحول إلى قوة فاعلة فيها، إذا ما حققنا التواصل المطلوب مع المغترب، و هيأنا الظروف المناسبة له كي يعبر عن وفائه لوطنه الأم بطريقة فاعلة، و أن يكون سفيراً لبلاده و شعبه و حضارته من خلال ما يقدمه من صورة ايجابية و واقعية عنها
كثيراً ما نردد عبارة هجرة العقول و هجرة رؤوس الأموال و كأن ما ذهب لن يعود، الحقيقة بأن المشكلة هي عدم التواصل و ليس الهجرة بحد ذاتها!
من أجلنا و من أجل وطننا الأم علينا التواصل مع بعضنا البعض، و علينا أن نشجع أبنائنا و بناتنا على التواصل مع أبناء و بنات الوطن، علينا أن نتواصل مع جميع العرب، بل مع الناس جميعاً، علينا أن ننظم أنفسنا في منظمات تعبر عنا و عن ثقافتنا و مصالحنا، علينا التفوق و الاندماج و الولاء لأوطاننا التي نعيش فيها، و الوفاء لوطننا الأم، فهذه هي عناصر نجاحنا
إننا اليوم نجد مشقة في التعامل مع الجيل الجديد ونحس بغربته وهو في حضن الوطن ، قال الإمام علي كرم الله وجهه : لا ترغموا أولادكم على ما تحبون لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ، وهنا أضيف أن الجيل الثاني خلقوا في مكان غير مكانكم ! فالمغتربون طيور تغرد على أغصان الاغتراب، يبحثون عن أشعة التواصل التي ترشدهم إلى حضن الوطن الدافئ.
إن أحد أهم أدوات التواصل مع الجيل الجديد من المغتربين هي اللغة العربية، فاللغة هي أداة التفاهم بين بني البشر من كل جنس و عرق و لون، و لغتنا العربية التي نفتخر بها لصفائها و غناها وأصالتها عبر العصور و الأجيال، هي وسيلة التواصل بين الوطن الأم و بلدان الاغتراب، لذا علينا أن ندعم تعليم اللغة العربية لأبنائنا و أحفادنا، و على سبيل المثال ما قامت به وزارة المغتربين في سوريا بالتعاون مع الجامعة الافتراضية بدمشق بالعمل لإطلاق برامج سهلة و بسيطة و شيقة عبر شبكة الانترنت، مما يبني جسور التواصل الدائم مع الوطن
أرجو أن أكون قد تمكنت من تحفيز المتحدثين على تقديم طرح يمزج العاطفة القومية والوطنية بالواقع ويجعلنا نبحث عن حلول لتأمين تواصل ناجح بين الجيل الجديد وثقافتنا العربية التي تحوي الكثير مما يحتاجونه في حياتهم ونحتاجه ليصل إلى الآخرين من رسائل محبة وخير وسلام ..
نبيل رفيق الكزبري
وفي نهاية الجلسة جرت مجموعة من النقاشات بين الحضور حول موضوع الجلسة، فرد الكزبري على كافة الاستفسارت والأسئلة ، حيث أكد على أهمية اللغة العربية في تعميق التواصل بين الأجيال الناشئة في المهجر و بين ثقافتهم في بلدانهم الأصلية
وفي الختام أثنى المشاركون على التجربة السورية في مجال تعليم اللغة العربية للجيل الثاني والمخيمات الشبابية لأبناء المغتربين.
و يذكر أن المؤتمر الأول للمغتربين العرب الذي بدأ أمس الأول يناقش دور منظمات المجتمع المدني في النهوض بالأوضاع العامة للجاليات العربية من الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ودور المغتربين العرب في التنمية وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان كما يسعى إلى إيجاد إطار تنظيمي يضم المغتربين العرب في شتى أنحاء العالم.
وتألف الوفد السوري للمؤتمرمن وزير المغتربين جوزيف سويد الذي حقق حضوراً متميزاً داخل وخارج القاعة مدعوماً بتجربة ناجحة في التعامل مع المغتربين ، وأعضاء المجلس الاستشاري الاغترابي وفي مقدمتهم السيد نبيل الكزبري والسيد حسام حمد الله قاموا بنشاط جيد لتعزيز التواصل وتبادل الخبرات و إنجاح المؤتمر ، كذلك السفير الناجح يوسف أحمد وأعضاء السفارة وكادر وزارة المغتربين الذي يضم معاون الوزير وائل بادين والمستشار محمد عطية ...