|
سيريانديز – فراس ديوب حدث مرة في فرنسا وفي إحدى مدنها على وجه الخصوص, أن رئيس البلدية, وهو شخصية سياسية بارزة, كان يعمل وزيراً سابقاً في إحدى الحكومات, استقال من منصبه الوزاري وعمل رئيساً لبلدية مرسيليا, وكانت المدينة قد خلت تقريباً من فرص العمل, وبدأت البطالة تجتاحها, وكذلك أعمال العنف وتجاوز القانون التي بدأت تلف أركان هذه المقاطعة بسبب البطالة. فتحول عمل رئيس البلدية إلى هدف أساسي وهو خلق فرص للعمالة في مدينته, والعمل على استيعاب كافة العاطلين عن العمل في وظائف حقيقية, وكان في المدينة شركة يملكها أحد المستثمرين السوريين, وتعتبر ثاني شركة نقل في العالم, ولما كانت هذه الشركة تريد أن تنقل مقرها الرئيس من مرسيليا إلى برشلونة, لأسباب خاصة بها, فما كان من رئيس البلدية إلا التدخل مباشرة والاجتماع مع مالك الشركة. وقد بذل الجهود المضنية والحثيثة لإقناع الشركة ومالكها بالبقاء, واستمرار عملها في مرسيليا, كما عمل على استقراض الأموال من البنوك لبناء مقر جديد لها, وبدأ يعمل على تمويل الشركة من أموال البلدية, من أجل إقناعها بالبقاء. أما السبب والحافز الذي جعله يقدم على هكذا عمل هو, أن عدد موظفي هذه الشركة كان حوالي 5000 شخص, وعدد العمال اللذين يرتبطون بالشركة حول العالم أكثر من 100 ألف شخص, وبالتالي إذا انتقلت هذه الشركة ستفقد المدينة حوالي 5000 فرصة عمل مباشرة, كما قّدر رئيس البلدية أيضاً أنه يوجد حوالي 30 ألف فرصة عمل غير مباشرة لهذه الشركة, لأن الموجودين في الخارج سوف يأتون لحضور الاجتماعات, وإبرام الصفقات والعقود, وهؤلاء جميعاً سوف يستخدمون كافة المرافق الموجودة في المدينة, من فنادق, ومطاعم, ونقل, وغير ذلك. لذلك اعتبر أن مغادرة هذه الشركة من المدينة التي يرأس بلديتها أشبه بالكارثة, وكان هدفه الأساسي في البلدية هو خلق فرص عمل جديدة, وبحسبة بسيطة فكر رئيس بلدية مرسيليا, أن المبالغ التي يدفعها لبقاء هذه الشركة, وبقاء فرص العمل فيها, ستكون تكلفتها المالية على المدينة أقل بكثير مما لو غادرت هذه الشركة مهما بلغت التكاليف المالية, فيما لو أراد أن يعمل على إنشاء شركات أو استقدام فرص عمل أخرى إلى المدينة. هذا الرجل تحسس المسؤولية, وأتخذ القرار, وتحملها بكل مكوناتها, وعمل المستحيل من أجل مدينته, وقاطنيها وبقاء فرص العمل فيها. لنقارن ما حدث في مرسيليا, بين رئيس بلديتها مع أي من رؤساء البلديات في المحافظات السورية, أو أي من المدراء, أو الوزراء, أو المحافظين. ولكم جميعاً أن تتخيلوا الإجابات التي يمكن أن تتلقوها من هؤلاء الرجالات, أبسطها قولهم أنها "عمرت أو خربت لا يهم", المهم أن لا أتحمل المسؤولية, وتأتي أجهزة الرقابة وما إلى ذلك من أسئلة واستفسارات .... الخ لذلك نقول أن الدولة لا يبنيها إلا رجالاتها المعتزين بأنفسهم وقادرين على تحمل المسؤولية.
|