سيريانديز - إبراهيم غيبور
لم يكن حديث بعض المسؤولين والدبلوماسيين عن وجود طرف ثالث يؤجج الأوضاع في سورية ويسير بها نحو حرب أهلية أو طائفية حذر من نشوبها كثيراً من باب الصدفة أو التوقع بوجود ذلك الطرف، فمن ارتكب مجزرتي الحولة والشومرية في محافظة حمص بوحشية لم تشهدها الأزمة السورية منذ بدايتها، كذلك من اختطف عدداً من الأشخاص من محافظة السويداء في حافلة على طريق درعا السويداء، والرد بالمثل بعدد أكبر على الخاطفين أمس، لم يكن هدفه سوى توجيه مسار الأزمة السورية إلى اتجاه يخافه كل السوريون، فذلك الاتجاه استدعى وجود طرف لتنفيذه، وهو ما أطلق عليه اسم "الطرف الثالث" في الأزمة والذي جاء بمخطط جديد يتقاطع مع محاولة بعض الأطراف الدولية لإفشال خطة كوفي أنان.
هذا المخطط سيكون بديلا عن فشل تلك الأطراف في العمل على إسقاط النظام في سورية بالاعتماد على مهاجمة المدنيين الأبرياء في مناطق محددة وحواجز الجيش وآلياته، كذلك تهديد العسكريين بالقتل والتصفية فيما لو بقوا مصرين على رفض دعوات الانشقاق التي تظهر بين الفينة والأخرى من جماعات المعارضة المسلحة أو ما يسمى "الجيش الحر".
فمجزرتي الحولة والشومرية ليستا سوى دليل واضح على أسلوب جديد في القتل الجماعي لشرائح وفئات معينة تنتمي إلى تلك المناطق التي ارتكبت فيها المجازر، وما رافقها من تزامن خطير لا يتعدى الساعات في تنفيذ عملية الخطف المتبادل بين محافظتي درعا والسويداء حيث حصدت حوالي 53 شخصاً من كلا المحافظتين، والتي لم يأت على ذكرها الإعلام المحلي أو الغربي، ولكن من هو ذلك الطرف الثالث..؟
تقول مصادر عليمة ومطلعة لـ "سيريانديز" إن ما شهدته سورية من أعمال قتل ومجازر ارتكبت بحق المواطنين الآمنين في عدد من القرى والمناطق والتي كان آخرها مجزرتي الشومرية والحولة، هو من تدبير وعمل مجموعات يمكن وصفها بالعقائدية أو التكفيرية ، والتي دخلت على خط الأزمة السورية كطرف ثالث للعب على وتر من شأنه أن يدفع سورية إلى الانزلاق نحو حرب أهلية ، وبالتالي تشكيل جماعات أشبه ما تكون بالكتائب، الهدف منها تحقيق ما فشلت الأطراف المعادية لسورية عبر إشهار السلاح في وجه الدولة واستهداف عناصر الجيش السوري والدعوة إلى انشقاقه، وتحقيقه عبر بث النعرات التقسيمية .
وتضيف المصادر قائلة: إن من يشاهد ويتمعن بالأسلوب الذي قتل فيه ضحايا مجزرتي الشومرية والحولة، يستنبط أن فكراً عقائدياً معيناً يقوم على هذا النوع من القتل القريب والإعدام بواسطة أدوات حادة، ولأهداف محددة أيضاً، على عكس ما روجت له الفضائيات أنه من أعمال القصف التي قامت بها وحدات الجيش السوري، فنحن لا ننكر أن هناك طرفان يستخدمان الأسلحة في سورية، الطرف الأول وهم جماعات ما يسمى "الجيش الحر"، المدعوم بالسلاح من قبل دول عربية وغربية، والطرف الآخر هو الجيش العربي السوري، الذي يرد على هؤلاء الخارجين على القانون، ويحاول أن يعيد الاستقرار للمناطق التي تعرضت للتخريب على يد تلك الجماعات المسلحة.
وتؤكد المصادر أن تلك الجماعات "العقائدية" لا يستبعد أن تكون مكونة من عناصر غريبة لا تنتمي إلى المجتمع السوري، قامت أطراف خارجية بحشدها، وبالتالي تدريبها على إثارة النعرات التي تؤدي إلى الفتنة, وتسليحها وصولاً إلى مرحلة ما يسمى الحرب الأهلية، بين الفئات والشرائح التي تنتمي إلى منطقة واحدة أو مناطق مجاورة، فضلاً عن تزويدها بفتاوى تحلل قتل واغتصاب وسلب وتعذيب بعض الفئات المرفوضة من قبلهم، ليصار في النهاية إلى اتهام النظام والدولة بأنهما من يعزز تلك النعرات لتحويل مسار الأزمة عن طابعها "الثوري" كما يدعون.
وفي هذه النقطة تتقاطع تصريحات المصادر مع روايات العديد من الأهالي الذين غادروا تلك المناطق، ليؤكدوا لـ "سيريانديز" أن المجازر التي شهدتها الشومرية وتلدو لم تكن نتيجة لأعمال قصف قامت بها وحدات الجيش، مشيرين إلى أن القصف لا يخلف قتلى بالطريقة التي أعدم بها ضحايا المجزرتين، وبالتالي فإن من قام بتلك الأعمال الوحشية هم فئة من الإرهابيين الذين لا ينتمون إلى تلك المناطق.
وقال أحد السكان الذي اضطر إلى مغادرة قريته "الشومرية" لـ"سيريانديز" أن أشخاصاً غريبي الوجوه واللباس، كانوا قد دخلوا تلك المنطقة، وتوحي شخصياتهم بأنهم من جنسيات غير سورية ويرتدون ألبسة أشبه ما تكون بتلك التي يرتديها "الوهابيون"، مؤكداً أنهم على الأغلب تونسيون أو ليبيون، وليسوا سوريون، وهم من قام بقتل الأطفال والنساء، في كل من الشومرية وتلدو، وليس أهالي المنطقة ولا قوى الجيش، لأن الهدف من تلك المجازر هو الوصول إلى مرحلة الاقتتال الأهلي، حيث أن سكان القريتين ينتمون إلى شرائح وفئات مختلفة، كذلك إشعال النعرات بين تلك الشرائح والفئات، وبالتالي لإشاعة أن النظام هو من قام بذلك أو بالأحرى "الشبيحة" كما يدعون، وهي مرحلة كنا نخشى أن نصل إليها لأنها ستخلق كارثة حقيقية يمكن أن يذهب ضحيتها مئات آلاف السوريين الشرفاء.
ويقول مواطن آخر ممن غادر بلدته أيضاً: إن تلك الجماعات، وبعد أن فشلوا في حشد إمكانياتهم بالسلاح واستهداف عناصر الجيش، كذلك المواطنين الأبرياء ليحملوا النظام والسلطات في سورية مسؤولية أفعالهم، لجئوا إلى أسلوب أكثر فتكاً، يعتمد على إثارة الاقتتال الأهلي، وذلك ببث أكاذيبهم وافتراءاتهم الدنيئة، تحت مسمى الجهاد، بل ويستشهدون بآيات من القرآن ليستميلوا المواطنين إلى صفهم، وهاهم بأفعالهم المجرمة، وكأنهم ينادون ويحرضون وبصيغ عديدة مباشرة وغير مباشرة إلى حرب أهلية بين مكونات الشعب السوري.