كتب أيمن قحف
خلافاً لعدم رغبة نائب المستشار-وزير الخارجية النمساوي بعدم الحديث في الشأن السوري عندما التقيته في افتتاح مؤتمر اقتصادي في فيينا الأسبوع الماضي،إلا أنني كنت مصراً على أن أقول له-بصفته عضواً في المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي الذي يفرض العقوبات علينا- أن عقوباتهم تستهدف وتؤذي الشعب السوري وليس الحكومة السورية فلماذا الاستمرار بها والتمسك بما أنجز منها؟
الوزير النمساوي اعترف-على مضض-بأنه لا يحبون حقيقة فرض عقوبات على الشعب السوري...ولكن-انتبهوا لذلك-" نحن في الحقيقة لا نحب العقوبات ضد الشعب السوري ولكن "علينا أن نري الحكومة أنها لا تستطيع أن تقف في وجه ما أسماه"القانون الدولي"!!!..
هذا هو منطق"اللامنطق"الذي لا يمكنك مناقشته،يريدون توجيه رسالة للحكومة السورية فيعاقبون شعبها!!!
في الحديث عن أثر العقوبات على الاقتصاد والمواطن السوري،لا يمكن تجاوز القيام بمقارنة تلقائية مع الحالة "الإيرانية"التي تعايشت لعقود مع العقوبات إلى الحد الذي دفع أحد مسؤوليهم للقول:"نحتاج ثلاث سنوات إضافية من العقوبات لنتمكن من إنتاج كل شيء"!!!
أعتقد أن الفارق بين التجربة الإيرانية وتجربتنا أنهم تعاملوا بمرونة استثنائية للتغلب على العقوبات فتصرفوا بمنطق التاجر وليس بمنطق بيروقراطية الدولة وأعطوا صلاحيات استثنائية للمسؤولين عن هذا الملف وكان لهم"سماسرة"يستطيعون تأمين كل ما يحتاجونه من أي سوق حتى بالدفع"الكاش" ومن السوق السوداء!!
والأهم من ذلك أنهم يثقون برجالهم ويركزون على إنجاز العمل وليس على التشكيك بنزاهة القائمين على العمل..
لقد تعطلت وتأخرت مشاريع كبرى في بلدنا بسبب البيروقراطية من جهة وقلة الثقة حتى بأعلى المراتب الوظيفية،وصار الخوف من الرقابة والحساب يغلب مسؤولية إنجاز العمل،وقد بنيت آلية الرقابة عندنا على مبدا:من يعمل ويخطئ نقوم بتدميره حتى ولو عاد بأرباح بالمليارات،ومن لا يعمل نتركه ونكرمه حتى لو خسرنا المليارات ولكن "دورته المستندية سليمة"!!!
نستطيع أن نثق بمسؤول يحرك بتوقيع منه مليارات الليرات ولا نثق به لصرف مكافأة لعامل متميز خارج الأصول!
هل يتخيل أحد أنه يمكن تجاوز العقوبات الظالمة ببيروقراطية الدولة وانعدام الثقة مع من يكلفون بالعمل؟!
منذ أسابيع تبادلت الرأي مع وزير النقل الدكتور محمود سعيد حول موضوع العقوبات والمقارنة مع ايران،وتوسع الحديث ليشمل بنية الدولة في ايران التي تشمل مستويات متعددة للقرار و مراكز ثقل و أحياناً حالة تنازع وتنافس ،وأعجبني جداً مصطلح استخدمه الوزير سعيد وهو "الإرادة المشتركة"...
إنهم يختلفون على كثير من التفاصيل وآليات العمل والمواقف ،وهناك حكومة ومعارضة،وهناك تيارات دينية وعلمانية،من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار،لكن الجميع متحدون على مصطلح"الإرادة المشتركة"لخدمة أهداف ايران الكبرى و قوتها ودورها الإقليمي والعالمي ورفاه مواطنيها..
كم داعبت هذه العبارة أحلامي حول صورة سورية التي تنتقل من الخلافات حول من سيلغي من ومن سيقتل من ومن سيسيطر على كل السلطة والموارد ومن سيثبت أنه "الصح" المطلق وأن الآخر هو "الخطأ المطلق" ،ومن هو في خدمة سورية ومواطنيها ومن هو أداة في يد أصحاب المشاريع الكبرى ولعبة الأمم؟!!!
متى ستكون لنا "إرادة مشتركة"تسمح لنا بالاختلاف والتنافس على خدمة"المشروع السوري"بحيث يكون الثواب لمن يخدم هذا المشروع والهزيمة والعتاب لمن يعرقله ويقف في وجهه ويخدم مشاريع أخرى قادمة من خارج الحدود..
لقد مات حلمنا العربي-أو على الأقل تجمد لحين مجيء قيادات عربية تؤمن بالمشروع العربي-وعلينا اليوم أن نصوغ حلمنا السوري ومشروع مستقبلنا وأن نعمل جميعاً ضمن هذه "الإرادة المشتركة"..