أيمن قحف
يصر المسؤولون في بلدنا على التعاطي مع مفردات الأزمة ونتائجها وتفاعلاتها بالصورة النمطية التقليدية عينها التي يتعاطون بها في أوقات الأمن والرخاء!
يريد مسؤولونا أن يحصلوا نتائج ترقى لمستوى معالجة الكوارث التي أتت بها الأزمة دون أن يعترفوا يقيناً بوجود أزمة أو يعرفوا ماهيتها وتفاصيلها!!!
يريد مسؤولونا أن يطبقوا "الإجراءات المتبعة" دون "خروج عن النص"وهم يتعاملون أحياناً مع "معارضين مسلحين" أو "خارجين عن القانون"وفي مناطق خارج السيطرة حالياً!!!
لا أريد أن أعطي الشرعية لأحد أو أطلب مخالفة القانون،ولكن ما نفع "الإجراءات المتبعة والقانون" إذا عانى الناس من الجوع والبرد؟!
في مسألة المازوت على سبيل المثال،سببت العقوبات ولا سيما المصرفية منها واللوجستية بتعثر توريد شحنات المازوت التي تبلغ عادة 50% من احتياجات سورية،بينما تنتج المصافي السورية النصف الباقي.المشكلة حالياً أن مجموعات مسلحة تسيطر على مفاصل حيوية في حقول أو أنابيب نقل النفط فتمنع نقل النفط الخفيف للمصافي وهو ما يلزم لانتاج المازوت المحلي!
السؤال الآن هل ننتظر أسابيع أو أشهر حتى يتمكن الجيش من استعادة السيطرة-التي قد يكون ثمنها تفجير أو إحراق الحقول والأنابيب فيما لو حوصر المسلحون هناك-أم نبتكر طريقة لتأمين ضخ النفط الخفيف لتأمين المادة للشعب السوري بمختلف أطيافه؟
الحكومة تعرف هذه الحقيقة واعترفت بها،بقي أن تجد الحل فقط!!!
المسلحون هناك بشر،وربما كان معظمهم من السوريين ومن أبناء المنطقة،إن كانوا يظنون أنهم "ثوار"فيمكن ايجاد طريقة للتواصل معهم من منطق أن "الثوار"لا يحرمون أهلهم ومؤيديهم من المازوت بحجة "إضعاف النظام"!!
إن كانوا "مرتزقة"فهؤلاء يبحثون عن المال والمصالح وإذا حصلوا عليه أفضل من النوم على نفط بالمليارات لا يستطيعون الاستفادة منه بقرش!
إن كانوا من أبناء منطقة حرمت من موارد معينة كالخبز أو الغذاء أو الدواء يمكن التفاهم معهم على مبدأ"المقايضة"!!
والأمر ينسحب على صوامع الحبوب والمطاحن وكل احتياجات المواطن الأساسية،وأرجو أن يكون ما سمعته صحيحاً عن ترتيبات تجري في ريف حلب تضمن وصول الخبز والدقيق للمواطنين مقابل الكهرباء في مناطق يسيطر عليها المسلحون!!
نحن في زمن الضرورات التي (تبيح المحظورات) والتاريخ القريب والبعيد يحمل الكثير من أشكال التفاوض مع الأعداء ،سواء مع اسرائيل أو تركيا مسعود يلماز وتانسو شيلر وما يجري بين المقاومة واسرائيل وما بين أمريكا وطالبان ...إلخ..
وبالتالي ليس عيباً أن تتفاوض السلطة القائمة مع أبناء سورية ممن يخالفونها الرأي حتى لدرجة حمل السلاح بحثاً عن قواسم أخلاقية تضمن"شرف المعركة"والحفاظ على الحد الأدنى من الأخلاقيات التي يدعيها جميع الأطراف بالطبع!!
الدولة السورية ما تزال قائمة وقوية إلى حد كبير رغم كل الخسائر البشرية والمادية،ومعارضة الخارج أضعف من أن تؤثر على الأرض بشيء،وهي تكاد تكون منفصلة عما يجري على الأرض،وبالتالي فإن ايجاد "مخارج"مع من يسيطرون على بعض المناطق بعيداً عن المسارات الأمنية والسياسية ،وبهدف إنساني يخدم جميع المدنيين السوريين هو أمر ممكن وواقعي ويتم عادة عن طريق وسطاء يقبل بهم الجميع..
من على الأرض يقبل التفاوض مع الأقوياء،والدولة ما تزال الطرف الأقوى على الأرض ولن يضعفها حل مشكلة إنسانية عن طريق مقايضة ما أو تفاوض ما تحت مسمى حماية وإغاثة المدنيين من كل الأطراف..
هناك مسلمات لو طرحتها ستجد إجابات موحدة من الجميع /ومنها على سبيل المثال:
• هل تقبلون بانتهاك الملكيات الخاصة من منازل ومصانع ومحلات وخاصة ممن لا علاقة لأصحابها في الصراع الدائر؟
• هل تقبلون حرمان السوريين المدنيين من المازوت والخبز والكتاب المدرسي ؟
• هل تقبل بقطع الطرقات وسد منافذ الحركة بوجه المدنيين؟
• هل ترضى أن تدمر المنشآت العامة المملوكة للشعب كيلا يستفيد منه خصمك؟
• هل تقبل بالقتل على الهوية؟
• هل تقبل حرق الغابات والمحاصيل؟
• هل تقبل ضرب أنابيب النفط والغاز ومحطات الكهرباء وسكك الحديد؟
الجميع سيجيبك بأنه لا يقبل،وعندها يمكن وضع اتفاق حماية ما ذكرناه وتحييده عن ساحة الصراع إلى أن يتم يوماً ما حوار وطني ينهي الأزمة التي أدمت قلوبنا جميعاً وتكاد تعصف بمستقبل بلدنا وأجيالنا القادمة..
إننا على قناعة أنه لا يوجد شرير بالمطلق،بل يوجد من يعتقد نفسه على صواب وقد يكون مخطئاً ،وهذا يمكن التعاطي معه بالحلول الوسط..
أخيراً ليس الضعف أن تحاور خصمك..الضعف أن تدفن رأسك في الرمل!!