لفتني وأنا أدخل إلى مركز الهيئة العامة للأوراق والأسواق المالية ورقة كتبها الدكتور محمد العمادي: وداعاً للهيئة وموظفيها.
وما شدّ انتباهي ذكره لوداع إلى وداع تم له في عام 1958، حين ترك عمله في وزارة الاقتصاد إلى الكويت، وحفل الوداع الذي شابه ذلك في عام 1985، فهذه المفردات التي سطرها العمادي حاملة الودّ إلى موظفيه تؤكد أنه مرّ عليه أكثر من ستين عاماً وهو يعمل موظفاً في الدولة.
في الواقع ما يدفع إلى التساؤل العريض يكمن في الإجابة عن: متى سيرتاح، ولماذا يدرس أبناؤنا ويدخلون اختصاصات جديدة ما دامت أسماء بعينها تبقى فوق كراسي الإدارات وهي جاهزة دائماً لاستلام منصب وظيفي إداري؟!.
أثناء قراءتي للورقة خرج مفوّضو الهيئة وجميعهم أعمارهم فوق الخامسة والسبعين، فتساءلت عما إذا كان هؤلاء هم الباقين وهل سيرشح منهم لإدارة الهيئة، فأي نصيب للاختلاف الإداري والاختصاص والعلوم الجديدة سيكون من حظ أبنائنا الذين يصرفون الليالي ويتابعون في قطاعات التعليم الجديدة، لينتهوا موظفين يعملون لإدارات لا تتقن أياً من العلوم التي تخصصوا بها، لكنها تتقن الوصول إلى الكرسي الإداري والبقاء عليه عقوداً طويلة من الزمن!؟.
وإن كنا نعلم كيف يتم ذلك، فإننا نأسف كثيراً لأن الخاسر الأساسي هو مؤسساتنا العامة والهيئات التي تكشف مراجعة بسيطة لميزانياتها وأعمالها الخسارات الحاصلة في ارتفاع ميزان المصاريف والرواتب والتكاليف مع المخالفات القائمة لموظفين يعملون في إدارات أخرى وهم باقون في الهيئة ومنهم نائب رئيس الهيئة.
لا ينكر أحد دور الخبرات المطلوبة، لكن في الوقت ذاته لا يستطيع أحد أن ينكر إبقاء هؤلاء وأثره السلبي في انعدام التطوير المؤسسي وإبقاء الخبرات الجديدة مع اختصاصاتها المتميزة تعمل في مجال بعيد عمّا اختصت به ويغيب تطوير العلوم والأبحاث عن عملها.
في الواقع أن الهيئة أوجِدت للإشراف على الأسواق المالية، وإن كنا لا نملك إلا سوقاً واحدة فمن الواجب أن يكون عملها في إطار دعم الأداء الجيد للسوق والحدّ من ارتفاع تكاليفها ومصاريفها، ودخولها مجال العمل في تطوير أداء الشركات والتنافسية ودعم الشركات الناجحة وإقصاء الشركات الخاسرة والمخالفة في تقديم ميزانياتها، وهذا ما لم يحصل، فإن كانت رقابة الهيئة تتم كذلك، فمن يراقب الهيئة ويختار لها كوادرها العلمية المطلوبة لتقوم بدورها كلاعب أساسي في الاقتصاد؟.