مكتب اللاذقية - سيريانديز - د. عبير حاتم
لقد بتنا جميعاً متفقين على أننا في أزمة أخلاقية، فما دور كلّ منّا في هذه الأزمة وفي الخروج منها؟
ثمّة فرق بين القيم والأخلاق، فالقيم أعمّ وأشمل من الأخلاق. القيم: هي صفات ذاتية في طبيعة الأقوال والأفعال والأشياء, مستحسنة بالفطرة والعقل والشرع. فهي موجودة عند الجميع سواء بالفطرة أو بالاكتساب. بينما تدلّ الأخلاق على الصّفة النّفسيّة والمظهر السّلوكيّ الخارجي للقيم الدّاخلية، فهي المؤشّر على تطبيق ما نملكه من قيَم. وهي متعلّمة ومكتسبة. وتبعاً لما سبق نجد أنّ الخلل ليس في ماهية المنظومات القيمية، وليس في نقص المعايير الأخلاقيّة أو عجزها. فالمعيار موجود متمثّلاً في الوصايا القيمية المتعارف عليها أسرياً واجتماعيّاً ودينيّاً، وفي القوانين والتّشريعات. لكن الخلل هو في عدم تطبيق هذه المعايير والقوانين. ممّا أدّى إلى تغيّر في نمط التفكير عند الجيل النّاشئ. فأصبح النّمط السّائد، يبجّل من يخالف القانون ويهابه.
إذا كنّا منطقيين سنقول أنّه من الطّبيعيّ انتشار السّلوكات اللااجتماعية واللاأخلاقية وهو متوقّع في ظروف بلدنا خلال سنوات الحرب، فالمعايير تسقط والقوانين تُعلّق أثناء الحروب والأزمات. لكن هل بدأ هذا الخلل الأخلاقيّ فعلاً مع بداية الأزمة في سورية أو هو أحد أسبابها؟ ثمّ.. ألم نسهم كأفرادٍ في حدوثه؟
الجواب هو نعم، وكمثال بسيط "سعي أحدنا لتسهيل عملية غشّ امتحاني لولده" حيث نزرع في لاشعور أبنائنا "شرعيّة" هذا السّلوك ولا يمكننا بعد ذلك نهيَهم عن الإتيان به أو بمثله.
فالأزمات، إذاً، لا تصنع أناساً فاسدين، بل النّاس الفاسدون هم من يصنعون الأزمات. وبمراجعة بسيطة لأنماط الشّخصيّات التي استعملت لتحريك القلاقل في الشّارع السّوريّ نجد أن أغلبهم من خريجيّ السّجون وأصحاب السّوابق، المراهقين كفئة يسهل السيطرة عليها بحكم طبيعة مرحلة المراهقة، وأبناء البيئات الفقيرة اقتصاديّاً وثقافيّاً، ليقوم بإدارة هؤلاء متدربون وخبراء بالنّفس البشريّة.
فمن أين يبدأ الحلّ؟
على صعيد الفرد:
تترسخ القيم من خلال التربية في الأسرة، وتعكس أهداف الإنسان واهتماماته الذاتية وحاجات النظام الاجتماعي الذي يعيش الإنسان فيه. وفي هذا الإطار يجب على المربّين الانتباه إلى أنّ تطوّر الأخلاق يتبع نموَّ الإدراك والقدرة على المحاكمة المنطقيّة لذا يجب:
- تطوير مناهج التعليم وجعلها تربوية قيمية قابلة للتعلّم فعلاً ويكون التأكد من هذه الإمكانية بالتقويم (تقويم المناهج وتقويم عمل كوادر العمل والتنفيذ)، وعملية التطوير هذه تفترض وجود أشخاصٍ مؤهلين فعليا.
- الكفّ نهائياً (في البيوت والمدارس) عن الأساليب التربوية التي تعتمد على التخويف من الله وجحيمه الموعود، بل الاعتماد على الإقناع.
لنتوقف عن تشويه صورة الله في أذهان الناشئة، التوقف عن تشويه الشرائع من حيث لا ندري. فحتى تجعل أمراً ما أخلاقياً يجب أن تكون وسيلتك لتحقيق ذلك "أخلاقية"
على الصّعيد المؤسّساتيّ:
يبدأ من التركيز على أن الأخلاق هي سلوك قيميّ قائم على الإدراك والقناعة، وبالتالي هي تجسيد لنمط التفكير، الذي يتكوّن من خلال التربية، ونواة التربية الأولى هي الأسرة، والأم هي مركز التربية الأسرية. لذلك ينبغي الاهتمام بـأمورٍ رئيسية، منها :
- تأهيل ومساعدة الأمهات من خلال إنشاء وتفعيل دور "مصادر التدخل الاجتماعي" ومثال ذلك - الحرص على وجود أقسام إرشادية نفسية - اجتماعية في مؤسسات مثل (الاتحاد النسائي، جمعية تنظيم الأسرة) تتجلى مهمة العاملين فيها من خلال: دورات تدريبية وتأهيل لأجل الحياة الأسرية وتربية الأطفال.
- إنشاء مكاتب فرعية في البلديات يقوم العاملون فيها بزيارات دورية إلى المنازل للتعامل مع يمكن أن يطرأ من أحداث وظروف جديدة في لأسر التابعة لهذه البلديات.
- الإعداد الملائم والسليم للعاملين في مجال الإرشاد النفسي والاجتماعي ومراكزه.
يجدر بالذكر أن كلّ ما سبق يتطلّب جهوداً ₩+أخرى تتجلّى في تحمّل الحكومة المسؤولية المنوطة بها في أمورٍ مثل حماية المعاملات بجميع أشكالها من الفساد، محاسبة المخطئين والفاسدين بحزمٍ وعلانية والحرص تكريم المتفوقين قيمياً والحرص على العدل في اختيارهم ومنحهم هذا التكريم. على سبيل المثال لا الحصر.