سيريانديز- رولا سالم
أريد أن أذهب إلى المنزل لأخبر والدتي بأن معلمة الصف أعطتنا برنامج الامتحان فأنا من المتفوقين وأتوق للعطلة بشغف لأسافر مع عائلتي إلى قريتنا.. هناك جدتي بانتظاري.. بهذه الكلمات البريئة التي تحمل حاضر الطفولة أخبرت نايا ذات الثمانية أعوام المرأة التي تجلس أمام دكانها كل يوم تنتظر خروج أطفال المدرسة لتبدأ معهم رحلة الصراخ والضحك فيما يبتاعونه منها من أطعمتهم المفضلة.
نظرت إلي في هذا الصباح بعيون دامعة, يتضح شحوب وجهها الذي لم يذق النوم وقالت: كانت أول من خرج من المدرسة تلف بين أصابعها الصغيرتين جدائل شعرها الطويل فرحة بقطعة الحلوى التي ابتاعتها من عندي , تحمل حقيبتها خلف طهرها وتقفز كفراشة الحقول لم أدرك بأن لأحد الاستطاعة بأن يخرق تلك الابتسامة, صمتت قليلاً وتابعت: ودعتها بابتسامة وقلت لها بلغي والدتك تحياتي يا نايا لا تنسي بأن تقولي لها هذا وغداً أراك أمام المدرسة.
نظرت إليَ بخجل الأطفال وقالت سأخبرها بهذا فهي بانتظاري أمام المنزل, لم تكن نايا تعلم بأن خروجها المسرع لملاقاة والدتها التي كانت بانتظارها سيسرقه انتظاراً آخر انتظار لا يشبه انتظار الأم ولا لهفتها, انتظار ينهي عبق الطفولة و يشوه ملامح الحياة من أناس أعطوا الحق لأنفسهم بأن يضعوا للحياة حد و أن يكون الموت يمر عبر بواباتهم الملطخة بدماء الأطفال قبل الكبار.
خرجت نايا من مدرستها فرحة بقرب انتهاء العام الدراسي يرتسم في رأسها الصغير ألف حكاية وقصة ستقولهم لوالدتها هي تعلم أنها بانتظارها, وعند وصولها إلى مشارف منزلها ركضت باتجاه والدتها ولكن كانت قذائف الحقد أسرع إلى جسدها الصغير, حقدهم اغتال البراءة التي كانت عنوان حياتها لتسقط الطفلة أمام أعين والدتها واضعة نهاية لحياتها, قذائف لا تعرف طريقها يعميها حقد أسود من مطلقيها, تحصد أرواح بريئة يكون النصيب الأكبر منها الطفولة.
أغمضت نايا عيناها إلى الأبد ليسيل دمها النقي ويكون شاهد على أبشع جريمة تقترف في حق الطفولة, لم تستطع إخبارها بأن برنامج الامتحان في حقيبتها ولم توصل تحيات المرأة إليها, لم تخلع عنها رداء طفولتها, لأنها لم تكن بموعد مع الموت, نايا ستسأل الله عندما تقابله, أصحيح بدمائنا يدخلون الجنة؟ أصحيح بنبينا محمد يستشهدون ويحجون إليه وعندما يعودون يذبحون؟ أصحيح ببراءتنا سيحل دينك في الأرض؟ سيجيبها الله: هذه جنتك وجنة من سبقوك وهذه النار التي وعدتهم بها, والله لا يخلف الميعاد.
نايا .. استشهدت أمس وهي عائدة من مدرسة الشهيد ميخائيل سمعان في قطنا