سيريانديز – اللاذقية – وسام الخنسه
ما أن تطأ قدمك محراب (صافون ) حتى يصدمك المشهد،فتحارُ من أين تبدأ الأسطورة، أمِنْ حصىً متناثرة بدلال هنا وهناك؟ أم مِن حجارة مركونة برصانة تنتظر مَن يبعث فيها الحياة؟ أم مِن وجوه تطالعك كطوفان من شغف؟ وتُكمل خطوكَ لتلِجَ ركناً أشبه بكهفٍ، صواعدُه منحوتات وتماثيل عولجت على مهل، ونوازلُه تشكيلّات كالثريّا جُبلتْ من بقايا الطبيعة، فتأخذك حالة من تجلٍّ وابتهال،تملأ نفسك نشوة وحبوراً.
تلك هي صومعة الفنان العالمي نزار علي بدر(جبل صافون)، الذي استقبلَنا ببساطة النّاسك، وبشاشة العاشق،فكان لنا الصمت، وله الغزل، إذ بادر بالقول: إن حجارة صافون ممزوجة بروحي وكياني، وتؤنسني حتى في أحلامي، فمنذ خمسٍ وثلاثين عاماً وأنا أحجّ إلى شاطئ البسيط باللاذقية ، وأجمع الحجارة لتشكيل لوحات متنوعة، حتى أسّستُ قاعدة لهذا النوع من الفنّ غير المسبوق عالمياً، والتي ترسّخت مع بداية الحرب الكونية على سورية، وقد شكلت معاناة السوريين الجزء الأكبر من أعمالي، وهذا مالفت انتباه الغرب لها.
وأضاف : إن هدفي لم يكن يوماً ماديّاً أو إعلاميّاً، بل إنّ هدفي الأسمى هو إيصال رسالتي إلى العالم، وهي أنّ سورية هي بلد السلام، وأمّ الحضارات، ومن أوغاريت السورية انطلقت أول أبجدية أنارت العالم، وقد جعلتُ من حجارة صافون الأبجدية الثانية، التي يستطيع قراءتها كل الناس في العالم على اختلاف لغاتهم.
وتابع: لقد استعانت الكاتبة الكندية (مارغريت رورز) بمجموعة من لوحاتي في تأليف كتابها (حصى الطرقات)، موضّحاً : هناك آلاف الملصقات التي تصور أعمالي تُستثمر في أوروبة، لجمع التبرّعات للمهاجرين السوريين. وحول تركيزه على نحت الوجوه قال: إنّ وجه الإنسان أصدق تعبيراً عن دواخله، ذلك من خلال انفعالاته وتعابيره التي توحي بالحزن، والفرح، والألم، والغضب...الخ. وعن حصّة المرأة في أعماله أكّد: إنها موجودة في لوحاتي بكثرة، حيث تجسّدت كأمّ، وحبيبة، وطفلة، وسيكون حضورها أكبر في أعمالي اللاحقة.
أمّا عن علاقته بالطبيعة فقد وصّفها بالقول: تناغمي مع الطبيعة له طقوس خاصة، حيث أختلي بها، وأتوحّد مع عوالمها لأيام وأيام، مستلهماً من سحرها على مرّ الفصول، ومهما كانت الظروف. وبخصوص مشاريعه المستقبلية فقد أوضح: لقد عكفتُ على عرض مشروعي الحلم على وزير الثقافة، وهو عبارة عن إقامة متحف دائم لحجارة صافون على شاطئ وادي قنديل، تُعرض فيه أعمالي وأعمال كل الفنانين السوريين، ويضمّ بنفس الوقت ورشة عمل دائمة للتشكيل بحجارة صافون، مشيراً لأهمية هذا المتحف في أن يكون مدرسة لتعلّم هذا الفنّ النادر لكل الراغبين وبدون مقابل، لافتاً أن المشروع سيكون تابعاً لوزارة الثقافة، فهو لكل السوريين وليس لنزار علي بدر، معتبراً أن هذا الصرح سيكون مَحجّاً لكل من يرغب بالاطّلاع على ثقافة وحضارة سورية، من كل أصقاع الأرض. وقد لفت بأن الاهتمام بالمشروع كان جدّيّاً، راجياً الّا توضع أيّة عراقيل في سبيل إقامة هذا الصرح الذي سيُراكِم تراث وحضارة سورية الممتدّ عبر التاريخ.
وحول معارضه الأخيرة التي أقيمت مؤخراً في المراكز الثقافية في كل من بانياس، وطرطوس، وصافيتا، والشيخ بدر، فقد اعتبر أنها كانت ناجحة، وقد لاقت استحساناً كبيراً، مشيراً إلى التقصير من ناحية الترويج والإعلان المسبق عن المعارض، حيث لم يتسنّ للكثير من المعجبين بهذا الفنّ ارتيادها ومشاهدة تلك الأعمال. وحول نشاطاته القادمة قال: بدعوة من الحزب السوري القومي الاجتماعي سأقيم معرضاً، في السابع والعشرين من نيسان الجاري، وذلك في حديقة العروبة. وسيضمّ لأول مرة في اللاذقية لوحات مثبّتة بحجارة صافون.
أخيراً عرّف نزار علي بدر بنفسه على طريقته فقال: أنا نزار علي بدر (جبل صافون) الأوغاريتي السوري، والمنتمي لهذه الأرض، والذي يعشقها حدّ العبادة، والذي يعمل جاهداً من أجل أبنائها وأطفالها الفقراء المظلومين، مؤمناً بأن سورية منتصرة لامحالة، فلامكان لشذّاذ الآفاق على أرضها الطاهرة.