كتب:رئيس التحرير
يقول الخبر الرسمي الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء أمس: (...تماشيا مع توجهات الحكومة بتطوير قطاع النقل الجوي وإدارته استناداً إلى توصية منظمة الطيران المدني الدولي بضرورة فصل الجهة الإشرافية عن الجهة التشغيلية في مجال بناء وإدارة وتشغيل المطارات المدنية واستكمالاً لهيكلة قطاع النقل الجوي ناقش المجلس مشروع قانون بإحداث المؤسسة العامة للمطارات ووافق على رفعه إلى الجهات المعنية لاستكمال أسباب صدوره ...)
وفي تصريحه حول الأمر بعد الجلسة (..لفت وزير النقل المهندس علي حمود إلى أنه تم اليوم مناقشة مشروع قانون لإنشاء المؤسسة العامة للمطارات التي تعنى بإدارة المطارات وتشغيلها واستثمارها وإنشاء المهابط والساحات واستثمار المحلات التجارية والخدمية في هذه المطارات.
وذكر الوزير حمود أنه سيتم من خلال المشروع اعطاء صلاحيات واسعة لمديري المطارات لجهة صيانتها وتنفيذ كل الاعمال اللازمة واتخاذ القرارات فيها حيث تم تحديد طرق إعفاء الطائرات من الخدمات الأرضية أو خدمات العبور..)
انتهى الاقتباس..
عادت بي الذاكرة إلى عام 2003
بتاريخ 29/10/2003، صدر القانون رقم 20 الذي تضمن إحداث مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي تسمى "المؤسسة العامة للطيران المدني" والتي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري،وكنت أرتبط بعلاقة طيبة جداً-وما زلت-مع المهندس مكرم عبيد وزير النقل آنذاك،وكنت قريباً من القطاع بحكم أنني عملت مستشاراً لمدير عام مؤسسة الطيران العربية السورية الكابتن عدنان شجاع،وقبلها مديراً لتحرير مجلة النقل الصادرة عن الوزارة أيام المرحوم الدكتور مفيد عبد الكريم..
كنت منخرطاً بصورة كبيرة في قضايا قطاع النقل،ولا سيما النقل الجوي،بالإضافة إلى قربي من مطبخ القرار الحكومي بحكم حضوري الدائم في مجلس الوزراء كمحرر في صحيفة البعث..
اطلعت على مشروع القانون ،ودار جدل طويل بيني وبين المهندس مكرم عبيد،ورأيي كان –وما يزال-أن الطيران المدني "سلطة"ولا يجوز أن يتحول لمؤسسة ذات طابع اقتصادي..
تشبث الوزير برأيه،ورفع المشروع الذي أقرته الحكومة وأحيل لمجلس الشعب،لم أستسلم،و وتحدثت مع الدكتور محمد مصطفى ميرو رئيس مجلس الوزراء آنذاك لكنه لم يشأ مخالفة مشروع وزيره، ثم حاولت مع أعضاء مجلس الشعب،وبذلت جهداً كبيراً لإقناع الكابتن نبيل داود –الذي كان عضواً نافذاً في المجلس آنذاك-لكن القانون أقر وصدر مع بدايات عمل حكومة المهندس عطري..
قلت في نفسي:سيأتي في يوم ما من يعيد الاعتبار لسلطة الدولة..
بعد ثلاث سنوات ،كتبت في صحيفة البعث وسيريانديز رأياً صدم الكثيرين بعنوان :(سلطة تبحث عن موارد في الزوايا) قلت فيه :
(..عندما وضع مشروع قانون تحويل المديرية العامة للطيران المدني إلى مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي، كان لنا آنذاك تحفّظ حول هذا المبدأ، لأن الطيران المدني في جميع دول العالم هو «سلطة» وليس مؤسسة اقتصادية مسؤولة عن المطارات -بكل ما فيها- والطيران المدني والتحليق في الأجواء الوطنية ولايجوز أن نشغلها بتأمين الموارد الاقتصادية لتمول مشروعاتها ونفقاتها..
اليوم، وبعد مرور عدة سنوات على تحول المديرية إلى مؤسسة نسأل ما الذي تغير؟
هل تحسنت صورة المطارات القائمة ولاسيما مطار دمشق الدولي؟.
هل تم بناء مطارات جديدة أو حتى تطوير حقيقي للمطارات القائمة؟
من ينظر إلى مطار دمشق الدولي حالياً يجده -قياساً للتطور المنتظر -قد تراجع عما كان عليه في السابق من حيث الشكل والخدمات، وتنكشف أكثر عورات المطار في موسم الازدحام الذي يكاد ينتهي.
كل ما يمكن ملاحظته في المطار هو التركيز على منح المزيد من الموافقات الاستثمارية في أرجاء المطار الذي امتلأ بالمحلات والأكشاك وربما قريباً سنجد فيه «بسطات» وكله كرمى لعيون الاستثمار وتحقيق العائد الاقتصادي.
لقد بات من الضروري إعادة النظر في مجمل عمل الطيران المدني وتحديد المسؤوليات والصلاحيات لكل جهة من الجهات العاملة في المطار «مثلاً تتحمل مؤسسة الطيران العربية السورية الكثير من النقد نتيجة أمور ليست من اختصاصها»..
ولعل أهم نقطة هي إعادة توجيه اهتمام إدارة الطيران المدني لممارسة سلطتها وتطوير مطاراتها لا أن تبحث في كل متر مربع في المطارات عن وسيلة لتأمين الموارد..)
انتهى المقال المنشور في 2007.
بعد ذاك..طرحت الأمر على الوزراء المتعاقبين وكلهم أصدقائي،وكلهم لم يخالفوني الرأي:الدكتور يعرب بدر-الدكتور فيصل العباس-الدكتور محمود سعيد كما كان هناك توافق دائم في الرأي بيني وبين المهندس فراس محمد معاون الوزير حالياً ومدير عام الطيران المدني سابقاً..ولكن لم يحصل شيْ
اليوم،تعود الحكومة،و بشكل خاص وزير النقل الصديق المهندس علي حمود، لوضع الأمور في سياقها السليم،ومن المؤسف أن يتم ذلك (استناداً إلى توصية منظمة الطيران المدني الدولي بضرورة فصل الجهة الإشرافية عن الجهة التشغيلية)!!وليس إلى ادراكنا لمصلحتنا وأهمية هذا الفصل!!
بكل حال،إنها خطوة في الاتجاه الصحيح،وهي مناسبة لتذكير الكثيرين بأهمية الفصل ما بين مفهوم (الدولة وسلطاتها) وما بين مفهوم (القطاع العام)..للأسف كثر لا يميزون،ومنهم أصحاب مسؤوليات وقرار،وهذا التماهي كان يتجلى في ما يسمى المؤسسة العامة للطيران المدني حيث اختلطت سلطة الدولة بعمل مؤسسة قطاع عام!!!
ونأمل أن تواصل الحكومة هذا الفصل لتكون حكومة الجميع فلا تعتبر نفسها حكومة مؤسسة الطيران العربية السورية على حساب الشركات الخاصة ولا المؤسسة العامة السورية للتأمين على حساب الشركات الخاصة ولا حكومة المصرف التجاري السوري على حساب عشرات المصارف الوطنية الخاصة. ولا المؤسسة النسيجية على حساب المصانع الخاصة ولا السورية للتجارة على حساب السوق..
للحكومة أدواتها وهي القوانين،والجهات التي تمثل سلطة الدولة:الطيران المدني-الموانئ-المصرف المركزي-هيئة الاشراف على التأمين-وكلها يجب أن تعمل وفق الدستور و القانون دون التمييز بين الملكية العامة أو الخاصة..