مريانا علي
صباحاً في مدينتي ، التي تشبه نقطة إلهية ، نزفها البحر في واحدةٍ من معاركه مع الجمال ..
اللاذقية ، تلك التي اتكأ خصرها على شبه جزيرة عتيقة وتكحلت بأول أبجدية.
قبلتها الشمس على الوجنتين ، فأورقت أقماراً ,هي اللاذقية التي استلقت على كتف البحر ، فكانت الولادة والحياة ..الفقراء والميسورين على حد سواء..
بسطت كفاها ,فأنارت سلاماً أبدياً على ذاك الشاطئ.
يضحك العم أبو أحمد ..الذي أحيل إلى سن التقاعد وهو يرسل إيماءات الرضا عن سنواته التي قضاها في هذه المدينة .. فيما يتأرجح حجر النرد في يده ، لعله يسترد خسارة الأمس مع جاره أبي تيسير في لعبة الطاولة , التي يلعبانها في أحد المقاهي اللاذقانية العتيقة.
يأتي العم أبو محمد وأرغفة الخبز الشهية بين راحتيه ( تفضلي عمو خبز طازج ثم يقول :
الحمد لله على كل حال ، ربينا ولادنا وعم نربي أحفادنا ,هالمدينة عم تعطينا أكتر ماعم نعطيها )
تلك هي إحدى صباحات الرضا في اللاذقية .
أعود للكورنيش الغربي , حيث الوجهة اليومية للكثيرين ,
منهم من يدفئ عظامه بشمس بحرية , ومنهم من اعتادت عيناه على السفر في كل صباح من تلك المرافئ..
في منتصف الكورنيش ..تقبع جنة صغيرة قبالة الشاطئ , وجدت فيها مئات الطيور ملاذا.ً لها ..وأشجاراً عريقة ,معمرة ..غرسها البحر في ليلة قرانه مع الشمس , إنها حديقة البطرني , التي ظللت قاصديها بالحب والألفة.
يقدم القهوة لي رجل عجوز ,يكاد يكون جزءاً منها ,
أتناول فنجاني وأستمع إلى أصوات الطيور تارة .. والى ثرثرات صباحية من أحد روادها تارة أخرى .
أكمل مشواري الصباحي ..لأصل إلى مقهى شناتا العريق ..القابع بين حي الأميركان والكورنيش الغربي ..أستعير من الذاكرة مشاهد من طفولتي ..لأرى وجه الأب ميشيل مشعاً ..فيما تمسح كفه البيضاء المكللة بالرحمة وجنتي .. وتلك الراهبة الجميلة التي كانت تنير لي الطريق بسماحة وجهها.
أخرج من الكنيسة التي تتوسط حي الأميركان ..والى اليسار شارع طويل ينتهي بجامع العجان العريق ..
تلك هي مدينتي التي أحب .