كتب أيمن قحف
تمتلىء شوارع دمشق هذه الأيام بلوحات إعلانية مترفة ومكلفة نشرتها وزارة التنمية الإدارية للترويج لمشروع الإصلاح الإداري!
كمتابع، وشاهد على تاريخ عمل الحكومات منذ ربع قرن، ومطلع على تجارب الدول في كل مكان، وكمسؤول عن قول الحق أمام الشعب لا يمكنني الصمت تجاه هذه العقلية الاستعراضية التي تعمل على تغطية ضعف امكاناتها في تنفيذ رؤية السيد رئيس الجمهورية إلى الواقع بصورة محترفة عالية المستوى، فتلجأ للإعلام-وهذا نصف المصيبة، أما أن تلجأ للإعلان فهذه كارثة بحد ذاتها!!
ربما من الضروري التذكير بأن سياسات الإصلاح الإداري يضعها عادة خبراء مختصون بعقول باردة –لم أعرف بوجودهم في الوزارة المعنية- وتتبناها الحكومات وينفذها أصحاب القرار، ومن الأكيد أنه لا علاقة للشعب البسيط ولا الموظفين بهذا التخطيط والتنظير، فدورهم ينحصر في التنفيذ،أي لا حاجة لجملات لنقنعهم!
يمكنني القول أن هذه العقلية "منحرفة"، وأن التراكمات أثبتت انحصار هدفها في التمدد على حساب الغير لحصد أكبر الصلاحيات، وكأنها ستجلس على الكرسي دهوراً!!.، وأعلم تماماً من خلال علاقاتي الوثيقة مع العديد من الوزراء أنهم لا يتفقون مع طروحات حامل مشروع الاصلاح الاقتصادي، بل ويتصادمون كثيراً في الاجتماعات معه، ولكن يبدو أن حرص الوزراء على عدم المساس بمشروع الرئيس يجعلهم يستسلمون أمام المنفذ حتى بأخطائه!!
إن الوزير عادة هو أعلى منصب تنفيذي وهو صاحب الصلاحيات المطلقة في وزارته، فكيف سيمارس صلاحياته إذا كانت تبعية نصف وزارته لجهات أخرى؟!! فمديرية الرقابة الداخلية تتبع للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ومحاسب الادارة يتبع لوزير المالية، مدير التخطيط تتبع لهيئة التخطيط والتعاون الدولي، ومكتب الآليات يتبع لرئاسة مجلس الوزراء، كما أن مديرية التنمية الإدارية تتبع لوزارة التنمية الادارية، وستلحقها مديريات الشؤون الادارية والمعلوماتية وشؤون العاملين.
برأيي، واجبنا جميعاً دعم مشروع الاصلاح الذي أطلقه السيد رئيس الجمهورية، وهذا الدعم لا يتطلب محاباة وزيرة قليلة الخبرة وكوادرها المحدودة، ولهذا أنا قلق جداً من حامل المشروع، ألا وهو وزارة التنمية الادارية التي تنوي التهام جسم الوزارات القائمة، وهي ستقوم بتقييم وتقويم عمل الجميع وليس هناك من يقيمها أو يقومها أو يحاسبها!! ونحن نرى مشروع الإصلاح الإداري هو سياسات عليا يضعها كما ذكرنا خبراء بعقول باردة وتنفذها الوزارات والإدارات التنفيذية ولا حاجة أصلاً لتخصيص وزارة معينة وإن كان لابد فربما من الأفضل أن تكون هيئة مرتبطة برئيس مجلس الوزراء.
وفي ظل الوضع الراهن باعتقادي وتجنباً لـ"الشطط" في جني مكاسب تنفيذية باسم المشروع، لا بد من وجود لجنة توجيهية له برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية ممثلين عن الحكومة ومجلس الشعب والجهات الرقابية والاكاديمية، كي تدرس كل اقتراح تنفيذي وتقرر مدى توافقه وجدواه في خدمة المشروع، وهكذا نحمي مشروع السيد الرئيس وندفعه للأمام..