مجد عبيسي
أستحلفكم، أليس القانون السائر على الوزير -مهما كان- هو نفسه السائر على الآخرين؟! أم له هالة معينة تعصمه؟!
لأول مرة في حياتي أشعر بالخوف في هكذا موقف،
فبعد أن اعتدت من سيادته هامش الأمان، وبتّ أتصرف دونما رسميات أو محسوبيات، ارتكبت خطأ فادحاً حينما تجرأت وقررت -على غير العادة- النيل من الوزير خلال مجلسنا المعتاد.. وليس أي وزير.. وزيره!!
الذي دفعني لتجاوز الخط الأحمر، هو ما عوّدني عليه سيادته من أريحية حين نجلس معاً، لا يعلونا سوى القانون، ولا ينعشنا سوى عبق القهوة..
والحق يقال أني لمست يومها طيب نفسه ومرحه، وتقبله لفكرة التساوي بين المواطن والمسؤول، فتجرأت.. ونلت من الوزير أمامه، فانقلب في لحظة عليّ وكأنني ندّ رجيم.. فتوسلته بالحلم وقلت:
يا سيدي، بماذا يختلف الوزير عمن نلت منهم أمامك اليوم وانت تبتسم في صمت؟ فأجاب بانفعال أخافني: كل من نلت منهم في كوم، والوزير في كوم آخر..
وصمت هنيهة ثم أردف: الوزير يا ولد هو الأهم، فعمله لا يشابه عمل أحد، فحين يعمل الآخرون كل ضمن مساره، يتفرد الوزير بقدرته الفذة على القيام بأعمال الجميع، بدائرة أوسع منهم، ومدى أبعد.. هل تعلم ذلك؟
قلت محاولا تلطيف الجو: سيادتك لا يمكن أن تعمم، فعلياً هو لا يتقن عمل الجميع، فكما تعلم.. قفز الخيول لا تتقنه إلا الخيول.
فقاطعني بصراخ: هو من يحافظ على التوازن، بمواهبه الشاملة، وإمكانية تدخله الفردية الفريدة في أصعب المواقف، هو مركز القوة.. هل تعلم أنه يستطيع العمل وحده دون الاستعانة بالآخرين..؟!
قلت: لا
قال: أما الآخرون فلا شي من دونه..
قلت: ولكن مهما كان سيادته نشيطاً، إلا أنه عند ارتكاب الخطأ يجب أن لا يفرق بينه وبين الآخرين.. ولا مانع أن نلطشه مثل الآخرين!
صرخ وقال: أيها الغر، يجب أن تتعلم كيف تفرق، وإلا فلن تفلح أبداً..
الفكرة ليس متى تلطش الوزير.. الفكرة من تلطش أمامه الوزير.. وطوى الطاولة على الأحجار بعصبية وجلس يدخن... فانسحبت قبل أن يطردني شر طرده.