كتب مجد عبيسي:
كان قابعاً خلف طاولته في مديرية نقل دمشق، ذاك المهندس الشاب الذي لم يتم عقده الرابع، منفصلاً عما حوله من منغصات الحياة، وغير آبه بعبوس الزملاء والسادة المراجعين، شاهراً ابتسامته رايةً بيضاء في وجه الحديد!
لم يكن يعلم المهندس جورج حواشي في مديرية نقل دمشق أنه يومها سيتلقى ثناءاً من الوزير، لا بل ومكافأة ماليةً أيضاً..!، في الحقيقة القصة طريفة وملفتة، وشخصياً.. لقنتني عبرة لن انساها!!
دخل الزميل الصحافي أيمن قحف مبنى مديرية نقل دمشق- منطقة التجهيز، بتاريخ 15 كانون ثاني 2020 لإنجاز معاملة فراغ سيارة، كان كل شيء على مايرام، الازدحام الاعتيادي، والوجوه التي لن نقول عنها إلا أنها تشبه أيامنا.. ليحصل ماليس بالحسبان، فما إن وصلت معاملة الزميل لأحد الموظفين لتوقيعها، وإذ به يراه يبتسم.. ياللهول، وبوجه من؟! بوجه المراجعين!! لا بل ويتعامل معهم بوجه بشوش ومريح ؟؟!!
صعق الزميل قحف من هول المشهد "على حد تعبيره"، والذي يتناقض مع كل حياتنا وسلوكيات الموظفين، فما كان منه إلا أن التفت إلى رئيس الدائرة الجالس خلف طاولته في مكان قريب قائلاً له: أ لا ترى هذا الموظف؟!.... تالله، إن لم تتخذنّ بحقه الإجراء المناسب، لأبلغنّ السلطات المختصة.. وقد أعذر من أنذر.
ارتبك رئيس الدائرة، وقال بعجالة، اعذرنا أخي المواطن، لابد أن هناك مشكلة لدى هذا الموظف إما في عقله أو أن لديه دولارات مخزنة، أو لربما يكون قد حاز جرة غاز أو غالون مازوت بالأمس القريب..!!
رد قحف بانفعال مفتعل: مهما يكن السبب، لن أسمح بتجاهل هذا الواقعة، لأنه تصرف شاذ وغير اعتيادي ولايعكس واقع شعبنا وموظفينا!!
طبعاً لم ينتظر الزميل الصحافي -الذي ملئ طاقة- إجراءات رئيس الدائرة، ونفذ تهديده ووعيده، وأبلغ السلطات العليا المختصة.. بمنشور حاد اللهجة استفتحه: برسم السيد وزير النقل والسلطات الرقابية المختصة ..
وسرد الواقعة بتوصيفها الذي عرفتم... ثم ختم:
"أضع القصة بأيدي السلطات لإتخاذ أقصى العقوبات بحق هذا الموظف المخالف والذي لم يجرؤ أن يعطني اسمه! ولكنني بحكم حسي الصحفي اقتنصت صورآ له وهو يبتسم بوجه المراجعين ! يرجى الاطلاع ..
المواطن أيمن قحف"
ثم... ما الذي حصل؟!....
في اليوم التالي استجابت السلطات لما نشر الزميل على صفحته الشخصية.. ووجهت ثناء حاد اللهجة ايضاً لمن تجرأ وابتسم.. فعبر قحف عن جل الحادثة التي بدأت غريبة جدا بمنشور آخر:
"يكفيني سعادة وفخراً أنني جلبت هذا الثناء لذاك المهندس الجميل الذي عرفت اسمه بالعربي اليوم فقط !!
الحمدلله، استجابت السلطات المختصة لندائي باتخاذ الإجراءات المناسبة بحق موظف - مخالف - عامل المراجعين باللطف والابتسامة ؟!!
الحساب كان بقدر الذنب:
ثناء موقع بالأخضر من وزير النقل المهندس علي حمود الذي يستحق الشكر من القلب على استجابته الراقية ..
والشكر موصول للصديق سليمان الخليل على دوره المؤثر في هذه اللوحة الجميلة
* ملاحظة : التكريم لم يقتصر على الثناء بل ترافق مع مكافأة مالية لائقة .."
انتهى المنشور.
ابتسامة لطيفة وجدت طريقها للوزير وسط شحوب تلك الدائرة الحكومية، ساقت باللاشعور الابتسامة للصحافي الزميل الذي باغته بصورة..
إنها الإنسانية يا جماعة.. فرغم برودة معادن الناس إلا أنه في زاوية منها، مازالت تقبع الحساسية لدفء المشاعر، صدقوني"ابتسامتك في وجه أخيك صدقة" هكذا قال رسولنا الكريم /ص/.. وهذا ما ذكرنا به جورج -مشكوراً- بعد أن نسيناه.