رشاد انور كامل
بذاكرتي تماما تعيش كل الأزمات التي عشناها بسورية
كل طفولتي قضيتها ونحن نعاني ملاحقة بياع الغاز و دور المازوت، ودور فرن الخبز، وصولا الى منتصف الثمانينيات، حيث هبطت الليرة السورية الى عشر قيمتها، ولم نعد نجد ليمونة في السوق وعادت العائلات لاستخدام الحصرم كحامض بديل
اذكر تماما شح السكر والرز وكيف كنّا نشتريه مهربا من لبنان
وكيف حملت وانا في صف الحادي عشر كيس سكر ٥٠ كيلو وصلنا من قارة مهرباً عبر صديق، على ظهري وصعدت فيه اربع طوابع لبيتنا، فرحاً، ووضعته بالسقيفة ...
لتنزل امطار بعد كم يوم وتجد طريقها الى السقيفة وتذيب السكر معها وتلوث ما لم تذبه... كم كرهت المطر يومها...
كنّا نوصي بياع الغاز قريبنا من ناحية ابي قبل اسبوع على الغاز ونتشكره بامتنان انه تذكرنا بقنينة غاز او اثنتين يجلبها لنا أسفل البناء لا يرضى ان يحملها اربع طوابق فهذا اصبح اكثر من مستواه، وكتر خيره اساسا انه جبلنا غاز ...
اذكر كيف كنّا نقف بانتظار الليمون يوم، والبندورة في يوم اخر ، وكان لاحول لنا ولاقوة الا بالشراء من استهلاكيات الحكومة، اذكر ألوانها الزرقاء والبيضاء الرثة ، واذكر موظفيها تماماً... هم اساساً اهل كل المعفشين الآن وأستطيع ان اقسم على ذلك ...
باعت امي بيت كان ابي رحمه الله اكتتب عليه في مشروع دمر، باعته لتستطيع إطعامنا بتلك المرحلة الصعبة وهي الاستاذة الجامعية، لم تكن لتنجو بثلاث اطفال، لولا انها ضحت بذلك البيت بالجزيرة العاشرة بمساحة ١٦٠م مربع، اكلناه ، واشترينا مازوت بسعر اعلى، وبراد جديد مهرب يستخدم الى الان، فرن مهرب بدل المهترئ الذي اهلي جلبوه معهم من تشيكوسلوفاكيا حيث درسوا الدكتوراه...
المحارم كانت كماليات كل شيء كان كماليات ولم يكن هذا التقنين مؤقت، ابداً
اذكر انه عند ولادة ابني في العام ١٩٩٤، كان حليب الأطفال مفقود، وحمدت ربي ان ابني رضع من أمه رضاعة طبيعة...
وكنا نضطر الى شراء حفوضاته من مضايا، ونعبىء مياه نظيفة له بالبيدونات من بقين... ونحمد الله كل مرة اننا لم نتبهدل من الجمارك المرابضين على طريق مضايا الشام...
لا مصارف الا الحكومية وممنوع التعامل مع الدولار كان يحبس من يتعامل بالدولار طبعا الكل كان يتعامل بالدولار وكان للنكته اسمه الاخضر
الموز كان للمرضى والأطفال والأغنياء ، ومن كان يهربونه من خط بيروت ، وعلى فكرة كذلك الخبز الجيد...
...
الحكومة بكل قواها فشلت في حل أزمة الدولار ، فابتدعت مفهوم دولار سوق الهال، اَي دولار التصدير، ومن كان يصدر الا سوق الهال ، فأصبح اَي صناعي تاجر وحتى الدولة عمليا تشتري دولار التصدير من بياعين البصل والخس، وكنا نشتهي الفواكه والخضار ، لكنها كانت سلع استراتيجية ومصدرنا الوحيد للتصدير والدولار...
الأسمنت كان يؤخذ استثناءات
والسيراميك شغل الاسكان العسكري بالواسطة
التلفزيونات اما سيرونيكس اكتتاب
او تأخذها تهريب
وكنا تقنياً مقاطعين
زحفنا زحفاً نحو ان نكون طبيعيين
ولم ننسى تلك الايام الا بعد عام ٢٠٠٣ ، اَي ان أزمتنا استمرت عشرون عاماً كاملة من ١٩٨٣ الى ٢٠٠٣...
كل التجربة الاقتصادية كانت تفرض حلولها على الحكومة قهراً لتفادي الكارثة، لم يكونوا ليقبلوا بأي تراجع الا كانت رقبتهم اصبحت على المحك...
وما يؤسفني اليوم انه بحجة الحرب، وفراغ المناصب ، عاد نفس جيل الفشلة من حكومة واعلام ومستفيدي أزمة ليصدر لنا قراراته الاقتصادية (الريترو) اَي السلفية عملياً، يتذكرون قرارات واجراءات دمرت اقتصاد سورية آن ذاك ويسترجعونها ويعيدون طرحها ويطبقونها... وستفشل
المرة الماضية انقذ سورية سوق الهال وقليل من بترول وقبضة حكومية تراخت من خوفها من سقوط الاتحاد السوفيتي، وخضوعها لرعب الرضوخ لقرارات سياسات القطبية الدولية الواحدة...
اما اليوم
لا اظن سوق الهال قادر
ولا بترول عندنا ولا غاز
والقطبية الثنائية والحرب الباردة ساخنة فوق بلادنا
والحكومة تعمل بفكر يستهلك قرارات من عشرين سنة في محاولة لإنجاحها هذه المرة ، لا لشيء ، الا لإثبات انهم لن يفشلوا هذه المرة...
وسيفشلون
وسيتحججون بالحصار والعقوبات والمؤامرة
بكل شيء
ولكنهم لن يجلسوا مع اقتصاديي سورية ورجال أعمالها ويسألونهم عن الحل الممكن
الا اذا أعاد الزمام نفسه
وأصبحت رقبتهم على المحك
...
هل فعلا من الضروري ان ننتظر الى اخر نفس ؟!!
الا نستطيع الشراكة الآن
...
من طرف الصناعيين والتجار والاقتصاديين ، أقول لكم هم جاهزون...
انتم من طرفكم جاهزون ؟!!!