كتب حسام حسن
لو أن جيمس جيفري ، المبعوث الاميريكي إلى سورية ، قد بكّر قليلا في تصريحه الأخير ، لكان جنب رئيس الوزراء السوري ، م .عماد خميس ، كثيرا من الحرج ، في جلسة مجلس الشعب يوم الأحد 06 06 2020 ، التي تحدث أمامها مطولا ، عن أوضاع الاقتصاد السوري ، وأسباب انخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية ، وانفلات الأسعار ، وانفلات سعر الصرف ، والفوضى التي شهدتها الأسواق في الأيام القليلة الماضية .
اعترف جيفري ، متفاخرا ، بأن الإدارة الأمريكية تقف - بكل صلف - وراء محاولات الانهيار الشامل للاقتصاد السوري ، وقد تجلى ذلك بانخفاض قيمتها الأخير .
في الحقيقة ، إن الأخطر من هذه الجزئية في الاعتراف ، والأكثر بلاغة ، كانت الجزء الخاص بتقديم عرض يقضي بطرد فصائل المقاومة الفلسطينية من سورية ، وفك الارتباط مع إيران ، ( وهذا حلم تل أبيب الأزلي ، وشعار نسبه البعض ، إلى بعض من " تظاهر " في السويداء مؤخرا ) ، والمقابل يكون الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية ، والإبقاء على " نظام الأسد " !
لم يكن كلام جيفري صادما لي ، ولكثيرين ، فمن اشتغل بالسياسة في سورية ، في العقود الخمسة الأخيرة ، يعرف أن ما من شوكة نصيب الجسد السوري ، غلا ويقف الكيان الصهيوني وراءها ، بالأصالة أو بالوكالة .
رئيس الحكومة السورية يعرف – فيما أعتقد – أكثر مني ومن العامة غيري ، ما يدور في الكواليس ، وكيف تحاول الولايات المتحدة خنق دمشق ، والمواطن السوري ، للتأثير على مواقف السوريين ، في هذه المرحلة الحرجة .
هذه المعرفة كانت تقتضي إيجاد حلول ، واختراع مسارب ، وخلق طرق التفافية ، وإنشاء صناعات بديلة ، ولو تحت الشجر أو في البراري ، ليتم محاصرة الحصار ولو جزئيا ، والتخفيف من تبعاته .
الدليل على ذلك ، أنه في حلب ، إبان تحرير أحيائها الشرقية ، التقيت صناعيين تهدمت معاملهم ، فأنشأوا ورشا صناعية تحت أدراج منازلهم ، بمكنة واحدة ، أو مكنتين ، وروى لي عهدد منهم كيف كانوا يحافظون على الإنتاج ولو بالحد الأدنى ، تحت أقسى الظروف . في دمشق ، تجد الحالة ذاتها ، وربما أبلغ ..
بدلا من ذلك ، سار حديث رئيس المجلس الوزراء ، باتجاه شرح المنجزات الاقتصادية للحكومة ، والمفترض أن أبرزها هو التحكم بأسعار المواد الأساسية التي يعيش المواطن عليها ، ولكنه قال : " في بداية العام ، أخذنا خطوات للحد من ارتفاع الأسعار ، لكن توفقنا في مكان ، وتعثرنا في مكان آخر، وهناك فريق يعمل على هذا الموضوع " .
" في بداية العام " ، ثلاث كلمات تعني الشهر الأول من عام 2020 .. لا أتذكر أنه تم التحكم بالأسعار في هذه الفترة ، ما يعني أن الجملة التالية : " توفقنا في مكان ، وتعثرنا في مكان آخر " ، تعني حكما أن الخطوات التي كان من المفترض أن تؤدي إلى نتيجة ، لم تؤد غلى نتيجة ، فقد توقفت ، او تعثرت ، وفي الحالتين ، كان السوق يحلق في أسعاره .
لا أميل شخصيا للتذمر ، بل وأنا ممن كان يصر على التفاؤل في أحلك الظروف ، ولا أزال متفائلا ، وإن بدرجة أقل ، ولكنني أؤكد للسيد رئيس الحكومة ، ولنفسي ، أنه لا يحق لأحد ، أن يمنع الناس من التعبير عن استيائها ، فالتهمة تلبس الحكومة مرتين : حين لم تشرح في الوقت المناسب ما سيعانيه المواطن من عقابيل الحصار ، وحين لم تتمكن من تجنيب المواطن مزيدا من سهام العوز والفقر ، بل ولم تقنع أحدا بأنها حاولت !
لا شك أن قانون قيصر ، حارق ، ومؤذ ، ومؤلم ، ويزيد معاناة الشعب الذي أنهكته سنو الحرب العشرة ، لكنني ممن يرون أننا كان يمكن أن نخفف من تبعاته ، ولم نفعل !
بالرغم من كل ذلك ، فـ " الصمود " ليس خيارا ، " الصمود " مبدأ وتكتيك واستراتيجية ، و " الصمود " هو ترجمة شعارات كنا نطلقها في الساحات ، كانت تصل إلى حدود السماء ، ونحن نخاطب رئيس البلاد " بالروح .. بالدم " .
الألم ضاغط جدا ، ونحن متحصنون بالصمود ، سواء شئنا ، أم أجبرتنا الظروف ، وليس هناك مهرب أمام الحكومة ، إلا أن يلمس المواطن تدخلها الحاسم في السوق ، الآن الآن ، وليس غدا !
عن حسام حسن مدير أخبار قناة سما