بقلم د.المثنى الصالح
"بيت جدي بالضيعة أقدم من كل آثاركم"..هذا ما قلته و بكل فخر لرئيس المجموعة السياحية الذي كان يرينا أحد الحصون الإسبانية القديمة الذي تم بناؤه في عالم 1695 م في مدينة سينت أوغوستين St. Augustine في ولاية فلوريدا و الذي اعتبر الحصن الأثري الأقدم في القارة الأمريكية..
Castillo de San Marcos..
كانت حشود السّياح مصطفة بالدور الطويل تحت أشعة شمس فلوريدا الحارقة استعدادا لدخول هذا الحصن القديم في نظرهم الحديث في نظري.
ولقد رأيت المشهد نفسه عندما زرت آية صوفيا في تركيا..الفاتيكان.. برج ايفل في فرنسا ..القصر الملكي في بريطانيا...كهف باتو في ماليزيا..و حتى عندما ذهبت لأرى الفوهات البركانية الخامدة في دولة فقيرة مثل الفيليبين. فوجدت حشود السياح مصطفة بأعداد هائلة لرؤية معالم هذه البلاد السياحية.
و قد لفت نظري أن بلادهم تضج بالدعايات و الترويج عن معالمهم الأثرية و حضاراتهم.. في المطارات.. في الطرقات ..في الباصات ..في المطاعم ..على التلفاز ..في الفنادق ..و في كل مكان.. و إذا ما نظرنا إلى تاريخهم و الحضارات التي مروا بها مجتمعة فسوف نجد أنها لا تعادل جزءا من الحضارات و الممالك التي قامت في سوريا و التي لم تزل تدل معالم آثارها عليها.
لقد مرت على سوريا العشرات من الحضارات التاريخية العريقة ابتداءا من المريبط 8000 ق.م و تل حلف 4500 ق.م و السومرية و الكادمية و الآرامية , الفارسية , و الرمانية , و الإسلامية و غيرها من الحضارات العريقة..
و قد تركت هذه الحضارات بصماتها من حيث البناء و الهندسات و الثقافات و اللغات لم يزل الكثير من معالمها حاضرا حتى يومنا هذا كمملكة تدمر , قلعة حلب , مدينة بصرى الشام , قلعة دمشق, تل المريبط، قلعة الحصن, واسطة الرقة, متحف شهبا, المدرج الروماني و غيرها.. فسوريا لا تملك حصنا أثريا واحدا مثل حصن
Castillo de San Marcos فقط
بل و تملك مدناً أثريةً كاملةً بعظمتها و أوابدها التاريخية و التي كان ينبغي أن تكون مصدر الدخل الأول لبلد تاريخي سياحي عريق مثل سوريا.
أما من ناحية السياحة الدينية فإن دمشق تعتبرمهدا لانتشارالديانة المسيحية في العالم فمدينة دمشق تعتبر مقر لأهم الكنائس و البطريكيات المسيحية و كانت قاعدة انطلاق بولس الطرسوسي في رحلاته التبشيرية. وتذكر الأناجيل أن يسوع قد قام بزيارة مناطق في الجنوب السوري و قد أعلن أن بطرس سيكون رأس الرسل بل أن بطرس نفسه من مواطني بيت صيدة شرقي بحيرة طبرية. و في بيت صيدة نفسه قام يسوع بواحدة من أبرز معجزاته و هي السير على الماء.
فهناك الكثير من الكنائس و البطريركيات الأثرية المسيحية الهامة كنيسة حنانيا الشهيرة و كنيسة باب كيسان و بطريركية أنطاكيا و السريان ناهيك عن المدن المسيحية القديمة كمدينة معلولا و التي ما زال سكانها يتحدثون اللغة الآرامية لغة السيد المسيح عليه السلام حتى وقتنا هذا..
كما و يوجد في سوريا العديد من أهم المعالم الإسلامية في العالم. ففي سوريا تجد الجامع الأموي في دمشق والجامع الكبير في حلب، مقام السيدة زينب, مقام عباس بن عمار و مقبرة باب الصغير التي تحوي قبور العديد من أهل البيت و التكية السليمانية و غيرها من المعالم الإسلامية و السياحية البالغة الأهمية.
وبالإضافة الى السياحة التاريخية و الدينية, هناك سياحات متعددة أخرى في سوريا كالسياحة الساحلية, و الجبلية, و الصحراوية , و الصحية, و سياحة المؤتمرات و غيرها من السياحات التي من المفترض أن تجعل من سوريا إحدى أهم الدول السياحية في العالم.
و مع هذا, نجد آلاف السياح يتجهون الى معالم سياحية في دول اخرى أقل أهمية بكثير من معالم سوريا العريقة. هذا ناهيك عن المعالم السياحية المستحدثة التي نراها تستقطب العدد الأكبر من السياح في العالم. فعلى سبيل المثال نجد أن مدينة دزني داخل أورلاندو تستقطب أكثر من 80 مليون سائح سنويا و ما هي إلا مدينة ألعاب متطورة بنيت من خشب في عام 1971 من قبل مستر وولت دزني و عائلته..
و التي يمكن بناء مدينة مشابهة لها في أي بقعة من سوريا عندما تكون هنالك إرادة كما كان مخططاً سابقا لمجمع جندر السياحي الضخم قرب حمص والذي كان مهيئاً ليصبح دزني سوريا. .. لقد حولت دزني مدينة أورلاندو من بلدة عادية لا يوجد فيها شواطئ أو جبال أو آثار أو شركات كبيرة أو أي عامل جذب للسياح إلى مدينة ضخمة يزورها الملايين من السائحين سنويا.. و من بعدها قلبت أوراندو رأسا على عقب و امتلأت بالفنادق الفاخرة و المطاعم و طورت البنية التحتية و الطرق و شبكات المواصلات بالإضافة الى الكثير من الشركات العملاقة و ازدهر فيها جميع أنواع البزنس.
لا بد من العمل بشكل جدي و علمي مدروس لتسليط الأضواء على معالم سوريا السياحية بشكل عام و الأثرية بشكل خاص..فهذا ما افتقدته سوريا لعقود عديدة.
و لتحقيق هذا الهدف لا بد من العمل على وضع خطط سياحية شاملة و استراتيجيات جديدة لوضع سوريا في المقدمة على خارطة الدول السياحية في العالم.
و هناك مقترحات كثيرة و خطوات عديدة من الممكن ضمها لهذه الخطط و سأخصص فقرة خاصة للخوض بها و بتفاصيلها قريبا انشاء الله
أما بالنسبة للتوقيت الزمني للعمل على هذه الخطط, فمن وجهة نظري أن يتم البدء بها منذ الآن و بدء العمل بأقرب وقت على التخطيط لبناء بنية سياحية قوية بحيث أن نكون على أتم الجاهزية لاستقبال السياح عند تعافي سوريا من حصارها و من أزماتها الحالية.
" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون"