كتب: نعمان صاري
أثار استغرابي تلك (الهمروجة الفيسبوكية ) التي استشرت ومفادها استنكار البعض عن إسناد منصب وزير التربية لشخص يحمل الدكتوراة في الطب والعلوم البيطرية , وكعادة مواقع التواصل الاجتماعي كانت بعض التعليقات والمشاركات تتجاوز حدود اللياقة والموضوعية , وكعادة تلك المواقع أيضا أصبح الجميع عارفا ومنظرا بما يجب أن يتمتع به أصحاب المناصب العليا من كفاءات واختصاصات , ومع التأكيد على أنني لست على معرفة ولاأية علاقة شخصية أو مهنية بمن كلف بمهمة وزير التربية , إلا أنني وجدت أنه من المناسب إبداء رأي موضوعي بهذا المجال .
بداية يتم اختيار الوزراء في دول العالم وفقا لإسلوبين اثنين تبعا للنظام السياسي الذي يسير عليه البلد .
ففي الدول ذات النظام البرلماني كبريطانيا واليابان وإيطاليا ولبنان إلى حد ما فالوزير ذو صفة سياسية يمارس في وزارته رسم السياسة العامة وفقا للرؤية التي تنتهجها الجهة الحزبية التي يمثلها وبالتالي فهو غالبا ليس صاحب اختصاص في مجال عمل الوزارة فتجد وزير الدفاع مدنيا أو حتى سيدة لم تمر حتى بفترة التجنيد الإلزامي (لبنان مثلا) , ووزير الصحة ليس طبيبا ووزير الزراعة قد يكون أبعد الناس عن النشاط الزراعي , فكما قلنا فالوزير هنا لا يمارس عملا اختصاصيا الذي يترك للمعاونين والأمناء العامين والخبراء والمستشارين ودوره هو في تحديد السياسة العامة لعمل الوزارة .
على عكس ذلك في الدول ذات النظام الرئاسي مثل فرنسا ومصر والجزائر وتركيا وتندرج سورية ضمن هذا التصنيف . في هذا النوع من النظم السياسية عادة ما يطلق على الحكومات أو الوزراء مصطلح (تكنوقراط ) أي أصحاب اختصاص في الوزارة التي يشغلونها . ولكن مجال الوزارة , أية وزارة , متشبع ومتداخل فهل من المفترض أن يكون الوزير عارفا وخبيرا واختصاصيا بكل شؤون وزارته , وهل يفترض أن تنطبق شهادته الدراسية تماما على مجال عمل الوزارة التي يشغلها ؟ . وزارة الزراعة مثلا تهتم بالمياه والتربة والإنتاج الزراعي واستصلاح الأراضي والثروة الحيوانية والصناعات الغذائية وحتى بالبيئة في بعض الدول , فهل هناك صاحب اختصاص يلم بكل هذه الجوانب , وهل يشترط أن يكون مهندسا زراعيا حصرا حتى يصبح مؤهلا لشغل منصب وزير زراعة , بالتأكيد لا , ولكن من المؤكد أنه يفترض أن يكون عارفا بالإدارة العامة وأسسها وأساليبها وأيضا صاحب تجربة إدارية معتبرة , والأمر ينطبق على باقي الوزارات .
بالعودة لوزير التربية فلا معنى للقول أن الاختصاص الجامعي والعالي البعيد مبدئيا عن مجال التربية يكفي للحكم على عدم أهليته للمنصب مالم يتم النظر للخبرات الإدارية المتراكمة والدورات والمعارف والتجارب والاهتمامات والبحوث التي قد يكون شغلها ومر بها ويبدو أنه يتوفر منها شيئا غير قليل , ويبقى الحكم النهائي مرهونا بالنتائج والمخرجات .