كتب نعمان صاري
دون ضرورة الخوض بتفاصيل النوعين الأساسين للدعم الاجتماعي الذي تمارسه الدول والأنظمة الاقتصادية فإن هناك فرعيين أساسيين وهما : الدعم من خلال توفير السلع وأحيانا الخدمات بسعر يقل عن السعر السوقي أو عن التكلفة وهو النوع الأسبق بالظهور في الاقتصاديات المعاصرة وهو ما نعتمده في سورية منذ سنوات طويلة , والنوع الثاني وهو الدعم من خلال دفعات مالية نقدية لمستهدفي الدعم تحت مسمى دعم أسري أو رواتب للعاطلين عن العمل أو دفعات لفئات عمرية محددة كالأطفال وكبار السن وأحيانا خدمات مدفوعة مسبقا كبوليصة تأمين صحي وسوى ذلك .
ورغم أنه لكلا النوعين المذكورين من الدعم الاجتماعي نقاطه السلبية أو الإيجابية , إلا أن التجربة الطويلة في هذا المجال أثبتت واقعيا السلبيات الكبيرة التي تنشأ عن طريقة الدعم السلعي والتي نجملها بالتالي :
1- الهدر الكبير الذي يلحق بالسلع المدعومة وبالتالي الإنفاق المالي الذي يفوق الاستفادة الفعلية من مبالغ الدعم , مرد الهدر هو إما من خلال عملية الإنتاج والتوزيع المعقدة , أو من خلال تعامل الأفراد مع السلعة المدعومة لغير الغاية المخصصة لها أو سوء حالة السلعة المدعومة ما قد تصبح معه غير مشبعة لرغبة المستهلك ولنا في عملية دعم مادة الخبز مثل جلي في هذا المجال .
2- الفساد الذي يمكن أن يمارسه الجهاز الإداري من خلال عملية الإنتاج والاستيراد والتوزيع للسلع المدعومة ما يجعل من المبالغ المخصصة للدعم تفوق الانعكاس الفعلي على شريحة المستفيدين .
3- عدم اقتصار الاستفادة من السلع المدعومة على الطبقات الاجتماعية ذات الاحتياج الفعلي لها بل استفادة كل الفئات الاجتماعية ومنها الطبقة ذات الدخل العالي , أو على الأقل الراغبين من أفراد هذه الطبقة بالاستفادة من الدعم .
4- النفقات الكبيرة الإضافية لسلسلة عملية إيصال السلع المدعومة للمستهدفين والتي تتمثل في أجور النقل والتخزين والتوضيب ورواتب العاملين في هذا المجال في المؤسسات الحكومية المناط بها هذا النشاط .
يالمقابل فإن النوع الثاني من الدعم الاجتماعي المتمثل في التقديمات النقدية المباشرة للمستهدفين لا تقتصر مزاياه على استبعاد نقاط الضعف المذكورة أعلاه , بل تتعدى ذلك من خلال ما تتركه حركة التداول النقدي لمبالغ الدعم من دفع للنشاط الاقتصادي وتحريك الأسواق المحلية وإدارة مبالغ الدعم من قبل المستفيدين يأعلى كفاءة لإن المستفيد هنا أصبح يتعامل مع ملكية نقدية وليس مع سلعة محددة .
ليس معنى ذلك أنه ليست هناك سلبيات , أو بالمعنى الأصح متطلبات صعبة, لنجاح هذا النوع من الدعم , والمتطلب الأساسي هو القدرة على تحديد فئات المستهدفين بشكل صحيح من خلال عملية مسح اجتماعي اقتصادي تتولاها جهة محددة وبطرق وأساليب تقنية عالية لحصر وتحديد الفئات المستهدفة , ومن ثم انسياب عملية تحويل مبالغ الدعم دوريا من خلال الأقنية المصرفية أو المباشرة .
أعتقد أنه آن الآوان لبدء الخطوات الفعلية لتحويل عملية الدعم من سلعي إلى نقدي لتحقيق المزايا التي تنتج عن هذا النوع من الدعم قياسا بالدعم السلعي , كما آن الآوان لاستحداث هيئة أو جهة أو كيان إداري حديث وكفؤ تكون مهمته القدرة على وضع نظام عملي تقني يستفيد من تقنيات المعلومات لتحديد الفئات التي تحتاج للدعم فعلا تمهيدا لتفعيل طريقة الدعم النقدي التي هي أكثر انسجاما مع النظم الاقتصادية المتطورة التي نأمل أن نخطو باتجاهها في قادم الأيام , كما قد تكون مخرجات هذا النظام التقني أساسا لتقديمات اجتماعية قد تفرضها تغيرات الأحوال الاجتماعية كرواتب المتعطلين عن العمل , أو دعم النساء الوحيدات والأسر دون معيل وكلها بدورها تقربنا من نظام اقتصادي اجتماعي متقدم نأمل أن يكون هدفا لنا . لقد استهلكت عملية الدعم السلعي نفسها ولم تعد قادرة على تحقيق الغاية المرجوة منها والمتمثلة في تحسين مستوى المعيشة للفئات الاجتماعية ذات الدحل المنخفض وصارت عملية الدعم بهذا الأسلوب ذات مخرجات متدنية سواء من حيث الهدر وعدم وتدني مستوى وجودة السلع المدعومة , أو من حيث الكلفة الكبيرة غير المتناسبة مع مخرجات عملية الدعم , وعليه نعتقد أنه أصبح من المناسب البحث عن أسلوب آخر ممثلا بالدعم النقدي للفئات المستهدفة من جهة , ومن جهة أخرى ليكون ذلك النظام مدخلا لتقديمات اجتماعية جديدة كدعم العاطاين عن العمل والأسر التي ليس لها معيل وغيرها من الفئات التي أفرزتها الظروف والأحوال الاجتماعية المستجدة بعد السنوات الصعبة الأخيرة .