كتب رئيس التحرير
مرة أخرى تعود قضايا البالة إلى الواجهة من جديد بعد أن ضربت يد الجمارك بقوة أحد معاقل البالة في سورية وهو حي الاطفائية والذي يدعوه البعض/بولونيا/ .
فقد سيطر حديث البالة على مواقع التواصل واحاديث الناس وكانت اصوات الاحتجاج الشعبية ومن اصحاب هذه المهنة اعلى بكثير من توضيحات الجمارك ،لدرجة أن اتحاد غرف التجارة وفي موقف نادر ولافت هذه الايام خرج بتصريح على لسان رئيسه ابو الهدى اللحام محتجا ومدافعا عن اسواق البالة ، بينما لم يكترث الغالبية لبيان ادارة الجمارك الخجول الخالي من التفاصيل التي تشفي غليل الباحثين عن حقيقة الموقف.
هو حديث قديم جديد ذو شجون ظاهره الدفاع عن الفقراء من جهة الاغلبية ، وحماية الصناعة الوطنية واستثمارها وعمالها من جهة الاقلية، ولكنه في الحقيقة صراع مصالح كبرى يتم وضع المواطن فيها شماعة وليس هدفا نبيلا يستحق الخدمة والعون.
بالنسبة لنا سنقول الحق - او ما نراه كذلك - ولو خالفنا كالعادة التيار وتحملنا الانتقادات.
سأذكر موقفا شخصيا حصل معي في مدينة حمص مؤخرا حيث احتجت لشراء حذاء رياضي بسبب نسيان أحذيتي في دمشق.. تجولت في أحد الأسواق وراقبت واجهات محلات الاحذية حيث لفت نظري أحد المحلات الانيقة المنارة جيدا مع ديكورات جميلة، دخلت وبحثت طويلا حتى وجدت حذاء أعجبني من ماركة عالمية وعندما امسكته للقياس وجدت أسفله متسخا قليلا وعندها اكتشفت أنني في محل احذية مستعملة«بالة»!!!
ومع صدمتي سألته عن السعر فقال مائة وعشرة آلاف ليرة ، فقلت له :هذا أغلى من الجديد فقال لي :وهذا أفضل من الجديد ومضمون أكثر!!
لم اشتر الحذاء ولكن سألت نفسي ماهو رأس مال هذه البضاعة وهل يدفعون أي شيء للدولة ضرائب أو رسوم جمركية ؟
والسؤال الاهم :كل هذا التغاضي عن التهريب والتهرب من الضرائب والرسوم يتم تحت عنوان مصلحة المواطن، وبالتالي يدور السؤال في رأسي هل حقا يستطيع المواطن الفقير شراء حذاء بهذا السعر؟ وهل الثياب الاوربية الفاخرة التي مازالت تحمل بطاقتها عليها أي أنها جديدة واسعارها لا تقل عن 50ألف واحيانا اكثر من مئة ألف ليرة وهل هي للفقراء فعلا وهل يجوز حرمان الخزينة من الموارد لمصلحة تجار البالة الكبار أو بالأحرى مهربيها يصب في مصلحة المواطن الفقير وبالتالي إذا بررنا التهريب لخدمة الفقير ليشتري قطعة يستر بها نفسه وأولاده ببضعة الاف ،متجاهلين حقوق الدولة وغير عابئين بآلاف المصانع والورش التي تشغل عشرات الالاف من العمال وتم ضخ استثمارات بمئات المليارات فيها وهي تدفع الضرائب والرسوم الجمركية والتأمينات وتخضع للرقابة التموينية والصحية؟!
إذاً، نحن ظلمنا أكبر القطاعات الصناعية لدينا كي نؤمن للمواطن الملابس الرخيصة من البالة خارج أي قانون ، فهل يجوز أن نغض الطرف عن تجارة بالمليارات تخص الميسورين وتضر الصناعة الوطنية ولا يستفيد منها الفقراء؟
أي منطق هذا ؟!!
أنا لا اعترض على التشدد في هذا الملف لحماية مشتركة تشمل المواطن الفقير فعلا وخزينة الدولة والصناعة المحلية.
نعم اتفق مع هذا التشدد ،ولكن اعترض على اسلوب الجمارك اذ يمكنهم تطبيق القانون والتعليمات مع ابتسامة وأن لا يستغلوا تلك التعليمات لضرب الصالح مع الطالح والمتعيش الفقير مع المهرب الغني في كفة واحدة.
للأسف اعلى الصراخ واكبر الاعتراضات ليس مصدرها المواطن الفقير ولكن من من يمتص الدماء تحت شعار الدفاع عن المواطن الفقير.