ما رأي طلاب اليوم في جامعة المستقبل؟ وما هي آمالهم ومخاوفهم عند التفكير مسبقًا في السيناريوهات المحتملة للتعليم العالي في عام 2050؟ ،
تساؤلات مهمة يطرحها مقال نُـشر مؤخراً في المجلة الإلكترونية البريطانية "أخبار عالم الجامعات " University World News تضمّن نتائج استطلاع أجرته منظمة اليونسكو وشمل 741 شخصًا من جميع أنحاء العالم شاركوا في واحدة من 55 مجموعة استشارية مركزة أجريت في 2020-2021 كجزء من مشروع اليونسكو لدراسة مستقبل التعليم.
502 من المشاركين في المجموعة الاستشارية هم من الطلاب و 239 من الناشطين في المجالات المتعلقة بالتعليم العالي (على سبيل المثال، الحكومة والمنظمات غير الحكومية والأوساط الأكاديمية). يعترف هؤلاء جميعاً بالآثار السلبية لوباء كورونا، كما يقرّون بالفرص التي أوجدها وأتاحها لعمليات التعليم العالي. وفيما يلي بعض الموضوعات الرئيسية التي تمخضت عنها مجموعات التركيز فيما يتعلق بمستقبل التعليم االعالي:
تجربة الحرم الجامعي ستتبدّل
لن يُستبدل الحرم الجامعي الذي يعد حاليًا المركز الرئيسي لبناء قدرات وخبرات الطلاب في مرحلة التعليم العالي، بل ستتعزّز وظيفته، وذلك بدمج التكنولوجيا في عمليتي التعليم والتعلّم. إذ لا بدّ من تحقيق التوازن، وأن يكون الطلاب قادرين أيضًا على التعلمّ من خلال خوض التجارب الحقيقية والتفاعل البشري والتعبير المادي، دون الاعتماد بشكل كبير على الأدوات الرقمية.
وبينما تكثر المخاوف من حدوث فجوة رقمية عالمية، شعر المشاركون في مجموعة التركيز أن التكنولوجيا يمكن أن يكون لها أثر إيجابي في الإدماج وإمكانية الوصول إلى التعليم العالي. ذلك أن رقمنة الفصول الدراسية ستسمح بالوصول إلى أفضل معاهد التعليم للأشخاص الذين استبعدوا جغرافيًا، وسيصبح بإمكان أي طالب في أية بقعة من العالم الوصول إلى التعليم العالي .
وعلى الرغم من أن الطلاب كانوا متفائلين بشأن دور التكنولوجيا في انفتاح التعليم العالي، إلا أنهم شعروا أيضًا أن المستقبل قد يحمل المزيد من "خصائص السوق"، أي أن هذا التنافس سيؤدي في نهاية المطاف إلى رفع مستوى الجودة في الجامعات والكليات، لكنه في الوقت نفسه سيؤدي إلى مزيد من التقسيم الطبقي في المجتمع فيما يتعلّق بالمستوى التعليمي.
التحول من الحراكية إلى المشاركة A shift from mobility to engagement
أدرك المشاركون أن "الحراكية ستتحول إلى التواصلية" “mobility will turn into connectivity” وأن السفر إلى بلدان أخرى لن يكون دائمًا ضروريًا في المستقبل لأن الطلاب سيتعلمون كيفية البقاء على اتصال مع المجتمع العالمي بطرق مختلفة. ويرى الطلاب أن جامعتهم المستقبلية ستلبي الاحتياجات المحلية من خلال معالجة جميع حالات عدم المساواة مع الاستمرار في الاستجابة للتعاون الدولي.
يعتقد المشاركون أن التكنولوجيا ستصبح عامل توازن بين البلدان وأن بلداناً أخرى يجب أن تستفيد من فرص حراكية الطلاب التي ينبغي أن تكون أكثر عالمية.
كذلك تناول الطلاب والمعلمون مسألة إعادة هيكلة الشهادات الجامعية التي من شأنها أن تؤدي بالتالي إلى تغييرات في محتوى المناهج الدراسية، وكذلك أشكال الحراكية الأكاديمية. والرأي أن الأشكال الافتراضية للحراكية ستكون مفيدة بنفس القدر بالنسية للتبادل والتفاهم بين الثقافات.
المشاركة في خلق بيئات التعلم Co-creation of learning environments
يتوقع المشاركون "أشكالًا جديدة لبناء المعرفة، بناءً على العلاقات التعاونية بين المعلمين والطلاب، وبين الطلاب أنفسهم. لذا، فإنه من الضروري إعادة تشكيل دور المعلم الذي يجب أن يلعب أكثر دور المربي والوسيط والميسر والمحفز، بالإضافة إلى الحفاظ على دوره كمتخصص.
في المستقبل، كما يراه الطلاب، يكون الطالب أكثر نشاطًا فيما يتعلق بما يريد وما يحتاجه وفقًا لسياقاته ولواقعه. سيكون مبدعاً ومشاركاً في عملية تعليمه العالي، وستكون له القدرة على تشكيل مسارات التعلم الخاصة به.
التغيّر المناخي: مصدر قلق في كل مكان
يعدّ تغير المناخ قضية رئيسية بالنسبة لجميع المشاركين، لا سيما كونها غير مغطاة في مناهج التعليم العالي اليوم. وقد أوضح المشاركون في مجموعة التركيز الحاجة إلى مزيد من التعليم والتعلم متعدد التخصصات والذي يمكن الوصول إليه. ويجب أن يشمل ذلك موضوعات تغير المناخ مثل الاستدامة والمبادئ التوجيهية التي تركز على الأسباب الاجتماعية.
التعليم العالي وسوق العمل
بالنظر إلى المستقبل، فإن الروابط بين التعليم العالي وسوق العمل هي أيضًا من الاهتمامات المهمة بالنسبة للطلاب. وبينما سيطرأ تغير على أسواق العمل، فإن الطلاب ظلوا عمليين في تصورهم أن الدرجة الجامعية تعمل على تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي. يُنظر إلى البطالة على أنها تهديد كبير في المستقبل وسيظل دور الجامعة في تأهيل الطلاب ليكونوا "جاهزين للسوق" دوراً مهمًا.
لكن المشاركين نظروا أيضًا إلى ما هو أبعد من الفوائد المالية للتوظيف: نظروا إلى الإنجاز في مجال العمل الذي اختاروه، وإلى ما سيكافؤون به على عملهم هذا. ورؤوا أنّ الخيارات المرنة للتعلم مدى الحياة تقدم العديد من الفرص للنمو المستمر والتطور خارج الحدود الضيقة للفصل الدراسي. هكذا يدرك الطلاب حاجتهم مستقبلاً إلى إعادة الصقل وإلى اكتساب مهارات جديدة كي يحافظوا على عمل مستقر.
تأثير الذكاء الاصطناعي
ستؤثر الأتمتة والروبوتات بشكل أكبر على التفاعلات البشرية، وستظهر بشكل خاص في مجال الخدمات. وسيؤدي ذلك إلى أنماط حياة أكثر ملاءمة. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن الآثار الاجتماعية لمثل هذا التغيير وتوقعات أن يؤدي إلى حدوث اضطرابات اجتماعية مختلفة.
عمليات عالمية مرتبطة بالمجتمعات المحلية
إذا كان لابد من تلخيص النتائج المستخلصة من مشاورات مجموعات التركيز المتنوعة للغاية في كلمة واحدة، فسيكون ذلك هو التواصلية connectivity. لم يعد المشاركون يرون أن التعليم العالي أنشئ من قبل المؤسسات فقط، ولكن باعتباره مرتبطًا بالطلاب الذين يشاركون في إنشاء مسارات التعلم الخاصة بهم. علاوة على ذلك، شعروا أن العمليات العالمية في مجال التعليم العالي يجب أن تأخذ بالحسبان خصوصية المجتمعات المحلية.
يريد الطلاب أن يحسنوا من تواصلهم وتعاونهم لكي يزدهروا في عالم مترابط تقنيًا حيث يستمر التعلم مدى الحياة. وسيقوم الأفراد باستمرار بترقية مهاراتهم لتكون ملائمة ومتوافقة مع متطلبات أسواق العمل المتغيرة.
يقرّ المشاركون بدورهم في وضع هياكل التعليم العالي لأنهم يريدون أن يحسنوا من قدراتهم كمتعلّمين، وأن يخدموا المجتمعات العالمية والمحلية بأفضل ما لديهم من قدرات.
كشفت مجموعات التركيز هذه عن آمال الطلاب ومخاوفهم أثناء تفكيرهم بمستقبل التعليم العالي حتى عام 2050. ويظل السؤال الكبير : هل الجامعات مستعدة لتلبية رؤى الطلاب لمستقبل التعليم العالي؟